ظواهر أدبية توجب درساً

ظواهر أدبية توجب درساً
آخر تحديث:

ياسين طه حافظ

لا نقلل من اهمية او من جدوى قراءة التراث القومي ولكننا لا نرى الجدوى الحقيقية في القراءة السريعة غير المتأملة لمحطاته او نقاط الانعطاف فيه او محاولات الخروج على السياقات تمرداً او تجديداً كثيرةً كانت قراءاتنا للتراث دواوين ومرويات واحاديث وافكاراً واخباراً، ولكننا بين حين واخر  ينتبه منا منتبه، او قاريء متأمل، الى مسألة تريد بحثاً وتستحق دراسة. ومن جملة ما ظهر لنا بكشف  من اساتذة مقتدرين، فلسفات، تمردات فردية على ظرف او على حياة. كما كشف دارسون اخرون عن اهمية شعراء واصحاب رأي، ما وجد الاخرون من قبل لهم اهمية او تفرداً..

 وأنا أقرأ مقدمة ديوان  زهير بن ابي سلمى، في متابعة للحكمة والنضج العقلي او الانسانية الهادئة بين الصخب والحماسات. شغلتني عن غرضي الاساس مسألة ادبية تبدو طارئة لكنها استوقفتني. جاء في المقدمة والحديث عن زهير بن ابي سلمى وكان زهير راوية اوس بن حجر وكان الحطيئة راويته ( اي  راوية زهير) وكان كثير راوية جميل… فسلسلة الشعر متصلة.  انتسابا كما هي متصلة تعلما ورواية. 

والملاحظ ان الشعراء الذين وردت اسماؤهم كلهم شعراء كبار معروفون ومتميزون فأوس بن حجر  شاعر ورثه وروى عنه زهير. وزهير شاعر معروف، افاد منه وروى عنه الحطيئة ونحن نعلم من دراستنا ان زهيراً والحطيئة يوصفان من  عبيد الشعر.فكل كان  بطيئاً في قوله الشعر، يقول وينقّح وينقح ويعاود قوله بالصقال والتهذيب حتى يظهره للناس. معنى هذا مثلما هو راوية شعر ذلك  هو تلميذ له يفيد من اسلوبه وطبيعته. واضح التشابه بين شعر جميل وكثير.  كثير هو تلميذ جميل وراوية اشعاره. .نحن إذا نجد  شاعراً وسليله. وهذا السليل او المتتلمذ على شعره يحفظ شعره ويرويه للناس فشاعرية الثاني قائمة تثقيفاً ومراناً على شعر الاول… وهذه الظاهرة تتكرر مما يوجب بحثاً او تفصيلاً..

نعرفها مجالس تثقيف. من افتقاد المعاهد النظامية. وهذا قد يكون اسلوب تعلم وتدريب ، يساعد  على  تعلم نظم الشعر العربي وبحوره  وصياغات تعابيره والتدرب على محاكاتها.. لكني لا اراها ظاهرة عابرة. هي ظاهرة تبدو لي خاصة في الشعر العربي الجاهلي، بوضوح وتأصيل اكثر. نعم بقي هذا التقليد، اعني وجود رواة  لهذا الشاعر او  ذاك. ولكن الراوي هنا-  في العصور المتاخرة، ليس شاعراً ، هو معجب اكثر مما هو شاعر.  عبد  الكريم الدجيلي  صاحب كتاب البند، رحمه الله، كان راوية للجواهري. وكان مصطفى علي رحمه الله موثق اخبار وسيرة الرصافي وبعض شعره. لكنه معجب مهتم ، وليس شاعراً يتتلمذ ويتغذى من عبقرية سلفه  لينهض شاعراً بارزاً يشيد باستاذه ويروي شعره ويكتب شعراً له امتيازه وخصائصه. ومع  تشابه الهموم وموضوعات الشعر، ومع الاقرار بطبقات الشعراء ومع رفعة – مجموعة من الشعراء وانهم من طبقة فنية واحدة او جودة واحدة لكن  ناس كل بيئة جغرافية كانت لهم افضلياتهم. لهم الشاعر الذي يريحهم ذوقاَ،  أو بصناعة اسلوب، أومفردة وايقاع كلام: ابن سلام  عدَّ  زهيراُ من شعراء الطبقة الاولى وهم امرؤ القيس والنابغة وزهير والاعشى.. لكن تأمل هذه الظاهرة : علماء البصرة يقدمون امرء القيس، واهل الكوفة يقدمون الاعشى واهل الحجاز والبادية يقدمون زهيراً والنابغة … الذائقة تختلف  والاحترام  ثابت للجميع.

التعليقات

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *