توفيق التميمي
الحر.
هذا باختصار هو المفكر والباحث الرصين د. عبدالجبار الرفاعي في ماهيته المعرفية الراهنة، ويمكن أن نفهم رسالة كتابه ومضمونه ضمن هذا السياق، والتي تحددت في إطار الفصل بين دين ايديولوجي تحكمه المقولات الجاهزة والعبارات الحماسية، مقابل دين آخر يرسم الرفاعي هنا معالمه ويخطط ملامحه بقلق تجربته وهواجس اشتياقه في رحلة البحث والمكابدات والتحرر من سجون الوراثة البيولوجية والحزبية، ذلك هو الدين الأنطولوجي (وأحسب أن التعبير ماركة خاصة للرفاعي)، دين الخلاص من ربقة أسوار الايديولوجيا الضيقة…دين المحبة الإنسانية التي تفارق الجماعة الإسلامية سواء كانت في معابدها أو مدارسها الفقهية أو في قصور سلطانها الجديدة، أو في دهاليزها السرية، دين الفطرة الأول والجوهر الإنساني الأول، الدين المنقذ للدين الايديولوجي من قبضة وحوش الإرهاب والجماعات الإسلامية التي اتخذت من الدين طريقا للوصول للسلطة ومغانمها، في المنطقة بما سمي (بالربيع العربي)،(تستبعد الجماعة من صفوفها عادة كل شخص يستفيق، فيعود لذاته ويتعرف على يأسها وخوفها وحزنها وغرائزها ومشاعرها وعواطفها وحاجاتها وأحلامها وتطلعاتها وهمومها وآلامها وغضبها وفرحها وترحها ومرضها وسقمها وصحتها وحياتها وموتها. ) ص19من
الكتاب .
اعترافات ومكاشفات
الكتاب يبدو وكأنه خلاصة رحلة الرفاعي نفسه ومكابدات تحولاته لبلوغ شواطئ الدين الأنطولوجي وإشباع ظمئه للدين الذي شوهته ثقافة الايديولوجيات وقراصنة السياسة والطاعات العمياء في ثقافات الأحزاب الإسلامية من طلاب السلطة والطامعين بمغانمها والتي قضمت عقودا طويلة من حياته (قبل ربع قرن دخلت حياتي فضاء جديدا، تحررت فيه من آخر بقايا ما ترسب في وجداني من السلبية والتعصب والعدوان حيال الآخر المختلف، لكن لم امتلك ذلك الا بعد مراجعات ومكابدات ومعاناة شاقة،عملت فيها أولا على تحرير صورة الله في روحي من الكدر الذي شوهها والظلام الذي حجب نورها وثانيا تطهير حياتي من بقايا سموم الكراهية التي ظلت ترتد لقلبي لتفتك به) ص79 من الكتاب.
ومضة في روح الرفاعي
الومضة التي تشتعل في روح الرفاعي يجد أنه لا بد من نشرها أو زرع فسائلها في بستانه المعرفي. وهواجس التحول من الظلمة إلى النور لا بد أن تتموج للآخرين، وإلا ما قيمة الثقافة والفكر ان لم يسارع المفكر الإنساني بإنقاذ حريق العالم وإطفاء شروره التي تأتي في أيامنا، للأسف، غالبا من جماعات وأفكار ومقولات تنتمي للدين بشكل من الأشكال وتتمظهر به، ورغم أن الرفاعي يعترف بأنه مازال لايستطيع التخلص نهائيا من رواسب تلك الثقافة بما يجعله مترددا في تعرية مفاصل سيرته الفكرية والحزبية والإنسانية كلها، إلا انه قدم لي على الأقل سيرة من المكابدات والالتياعات الحقيقية لم أقرأ شبيها لها في تعرية الجماعات التي كان منتميا لها ذات يوم. وجعل من كتابه وتداعياته محكمة افتراضية لكل هؤلاء حزبيين وفقهاء وسلطويين (اكتشفت في وقت مبكر اشخاصا من زملائي الاسلاميين (مات الإنسان في داخلهم) ثم هتكت تجربة السلطة في العراق عورات بعضهم ف(مات الله في دواخلهم) انهم ممن نسوا الله فأنساهم أنفسهم فوظفوا كل ما وهبهم الله من ذكاء ومهارات في الكيد والغدر واستهداف البشر والنيل منهم والتآمر عليهم) ص 33 .
ذروة الكتاب الفصل الرابع من الكتاب أعتقد أنه الذروة أو الرسالة التي أراد الرفاعي من قارئه اللبيب تمثلها والتبشير بها وهو تأصيل وصياغة الدين الأنطولوجي وإزالة الالتباسات في غموض المصطلح ومطابقته للواقع وحشد الامثلة الواقعية لمضاده النوعي.وأعتقد أنه كان موفقا فيه كخلاصة لكتابه الأنطولوجي هذا، (الظمأ الانطولوجي للمقدس يجتاح كل كائن بشري بوصف هذا الكائن يتعطش للامتلاء بالوجود، كي يتخلص من الهشاشة ويجعل حياته ممكنة في هذا العالم الغارق بالآلام والأوجاع، وتكون له القدرة عل العيش بأقل ما يمكن من المرارات والاحزان، ويخرج من حالة القلق للسكينة ومن اللامعنى للمعنى ومن السوداوية) .