كان عاشقاً لعفيفة اسكندر
أحمد نجم
رغم كونه كرديا الا ان نتاجه عربيا كاملا باستثناء كتابات قليلة قدمها بلغته الام فبرع باللغة العربية واضاف لمكتباتها الكثير لكنه مع ذلك لا يزال اسماً مجهولاً وربما تقتصر معرفته على الاكاديميين والمتخصصين بالادب عبد المجيد لطفي أديب من الجيل الاول للروائيين والقصصين العراقيين , عراقي الهوية وكردي القومية ويساري التوجه والافكار حين سؤل عن تفسير لمعان بعض الاسماء من جيله او بعد جيله اكثر منه اجاب بأن معظم ذلك يعود الى العلاقات الشخصية او المرونة في تناول قضايا فكرية وسياسية وهي بالنسبة له جدية ومن يكتب بصورة جدية يخلق لأدبه عدد غير قليل من المعارضين.
خانقيني الهوى المتعارف عليه انه من مواليد عام 1905 لكن مقدمة روايته (في الطريق) الصادرة عام 1958 تشير الى انه من مواليد 1911 في محلة التليخانه احدى محال مدينة خانقين ,عاش في خانقين طفولته واكمل دراسته الابتدائية فيها ودرس في التكية النقشبندية في طفولته فتعلم فيها قراءة القرآن واتقن اللغة العربية وعشق تلك الحياة على ما فيها من البساطة وظل مرتبطا روحيا بمدينة خانقين حتى انه اصر قبل وفاته بأن يدفن فيها وكما اراد فقد دفن في مقبرة الشيخ محمود التي تتوسط بين نهري الوند وديالى.
لم يقف القدر بجانبه فقد توفي والده وكان شاعرا ايضا توفي في الحرب العالمية الاولى لتقع مسؤولية الاسرة على الام التي لم يمهلها القدر هي الاخرى فتوفيت بعد ذلك بسنوات قليلة ثم اقام عند عمه في بغداد حيث اكمل هناك دراسته وتخرج من اعدادية الصناعة قسم الخياطة وعند ذلك توقفت مسيرته الدراسية.
ظروف حياته القاسية اضطرته للتنقل من عمل الى اخر ومن مكان الى مكان فعمل في الحلاقة والنجارة وبعد اكمال دراسته ذهب الى البصرة وعمل في احد معامل الميناء ثم عمل في احدى شركات النفط في كركوك ثم نقل الى ديوان المالية في بغداد عام
1938.
بقيت خانقين وفية لابنها عبد المجيد لطفي فقد سمي اشهر مقاهيها الادبية باسم (مقهى عبد المجيد لطفي) ويقول صاحب المقهى الشاعر كنعان حاتم مراد (في مهرجان المربد سألني الادباء عن عبد المجيد لطفي مباشرة بعد ان عرفوا انني من مدينة خانقين , وفهمت انه من الضروري ان تفعل خانقين شيئا له وعندما قررت ان اؤسس مقهى ثقافيا اخترت اسم عبد المجيد لطفي بلا تردد) في الميدان الادبي شغفه بالادب جعله يقنع شقيقته على بيع حصتها في بيت العائلة وباع حصته ايضا ليطبع كتابه الاول (اصداء الزمن ) عام 1938 لان مرتبه البسيط لم يكن يسمح له بذلك ليبدأ عبد المجيد عمر (هكذا كان اسمه قبل ان يختار اسم عبد المجيد لطفي) رحلته الادبية التي عاصر فيها محمود احمد السيد رائد الرواية العراقية وانتمى فيها الى جيل جعفر الخليلي وذنون ايوب وغيرهم من كبار ادباء العراق.
نشط لطفي في اواخر العشرينيات ككاتب نثري وشاعر في الصحف والمجلات المختلفة ثم كتب القصة والرواية ويعبر عن هذه التحولات قائلا (في البداية كتبت الشعر ثم قراءاتي المتصلة في الثلاثينيات كتبت ما يشبه القصص ولان حياتي الشخصية كانت ممتلئة بالكثير من الخواطر والذكريات التي تصلح للقصص واصلت الكتابة القصصية.
ولان الرواية نهاية النضج والخبرة في كتابة القصة فقد كتبت الرواية في سن متأخرة) كان عبد المجيد لطفي لا يتوقف عن الكتابة كما قال وشبه نفسه بالقطار الذي لا محطات له , تعددت مؤلفاته وكانت لديه عشرات المخطوطات غير المطبوعة كما صرح قبل وفاته ويبدو ان احد اسباب عدم طباعتها هو الضيق المالي الذي عانى منه طيلة حياته حتى اضطر ذات مرة لبيع بيته من اجل توفير العلاج. اشهر مؤلفاته القصصية كانت (قلب ام1940) و(في الطريق1958) (الجذوة والريح 1969) وفي المسرح كتب (خاتمة موسيقار1941) و(عيد في البيت1961) وكتب ايضا (الامام علي..رجل الاسلام المخلد) و(المتنبي … شاعر الفكر العربي) و(عفيفة … خواطر ادبية) وفي عيد ميلاده الثمانين اصدر رباعيات شعرية حملت عنوان (خليج المرجان) , وفي الرواية كتب عدة روايات اهمها (العراف الغجري) و(فتحة اخرى للشمس) ورواية (الرجال تبكي بصمت) التي علق عليها الروائي الكبير غائب طعمة فرمان قائلا (انها رواية عراقية حد النخاع تشهد لكاتبها احالة نادرة ووفاء قل مثيله لقضايا الانسان العراقي ).
مع عفيفة اسكندر فتن بفاتنة بغداد عفيفة اسكندر عدد غير قليل من ادباء العراق وسياسييه وشخصياته المعروفة ومن بين هؤلاء المفتونين بها كان عبد المجيد لطفي حتى انه كتب كتابا عام 1953 حمل اسمها وضم خواطر ادبية عنها ولم يخلو الكتاب من اعجاب كبير ابداه لطفي لفاتنة بغداد وقيل ان لطفي كان يعشقها بشدة ولم تفلح محاولاته بالابتعاد عنها. قصة لقائهما الاول يرويها لطفي نفسه فبعد ان شاهدها في احدى ملاهي بغداد وولع بها واعجابه ازداد تهيأ للقاء الاول الذي لم يكن مشجعا ابدا فحين صافحته عفيفة بعد ان عرفه احد الاشخاص قائلا (هذا هو عبد المجيد الرجل الذي تغنى بك على البعد) فأمسكت يده المرتعشة وقالت له مع ابتسامة (أأنت عبد المجيد؟ انك لأشبه بحداد عتيق !) ولكن هذا اللقاء مهد لعلاقة جميلة ومحترمة جعلت لطفي يواظب على الحضور لصالونها ومجلسها الادبي واستمرت العلاقة لسنوات طويلة كانت عفيفة تزوره في بيته وفي المستشفى حين يمرض وفرقت بينهما الشيخوخة حيث توفى لطفي عام 1992ودفن في مقبرة الشيخ محمود لتنتهي حياة اديب خانقين الاول.