عزلة الأدباء ..إبداعية أم تبرير للغياب ؟!

عزلة الأدباء ..إبداعية أم تبرير للغياب ؟!
آخر تحديث:

اسبابها نفسية وفكرية واجتماعية

عبد الجبار العتابي 

في مقهى (حسن عجمي) كنت اجالس صديقا اديبا ، كان قد انتهى من شراء بعض الكتب من شارع المتنبي ، لكنه فاجأني بقوله انه لن يأتي الى الشارع ولا الى المقهى بعد الان، وانه قرر ان يعيش (عزلة) الى اشعار اخر !!، ابتسمت وانا غير مصدق لما قاله ، فسألته عن السبب فقال : كآبة وضجر و… !، قلت : اكمل و.. ماذا ؟ ، فقال : احاول ترتيب احوالي الابداعية فأنا منذ زمن لا استطيع ان اكمل عملا بدأته سواء في الكتابة او القراءة او غيرهما.

   وغاب صديقي فعلا عن الحضور الى موعدنا المعتاد في مقهى حسن عجمي ، كنت انظر يمينا وشمالا ، ثم اخرجت قلما وورقة اسجل عليها  انثيالاتي ، حتى لمحت الشاعر حسين علي يونس، فناديته وطلبت منه الجلوس لكنه على عجلة من امره، قلت له : كيف تقرأ العزلة التي يتخذها الادباء ؟ ماذا تقول عنها وهل جربتها؟، تفحصني جيدا ثم قال : اعيش في عزلة منذ اربعين سنة !!، ثم استطرد : كلما ابتعدنا عن ذكرياتنا زحفنا الى مكان حميم لنستعيد ذكرى ايام غفت في كبد الغيب.
وقبل ان يهم بالمغادرة قال: العزلة ميزة انسانية وليست حكرا لفنان او كاتب، نلجأ اليها عندما تثقل علينا الحياة بمطرقتها الثقيلة .
 نقّلت نظري بين الجالسين ، رأيت الروائي علي حداد ، تحركت نحوه ،قال: استرح اولا ؟قلت : اجبني وسأستريح ،وطرحت عليه سؤال العزلة مضيفا اليه : هل هي لاستعادة شيء ما او لصفاء الذهن ام للابتعاد عن الاخرين للتهيؤ لكتابة جديدة؟، ابتسم ثم قال : لاهذه ولا تلك !!، واستطرد : في اعتقاد لايتسلل اليه الشك انها ليست عزلة انما هي خلو ادمغتهم من الموضوع  من الفكرة ، في هذه الايام ثمة الكثير من المواضيع والافكار لكن يصعب على هؤلاء المسك بعصا موسى.
   واضاف موضحا أن الموضوع ياصديقي اشبه مايكون بالصدمة بالنسبة للقارئ واعتقد ان الموضوع او القصة التي تخلو من المعجزة  او الدهشة  هي نزهة فاشلة ولانهم لايعرفون اللعب بعصا موسى  تكالبوا على الاعتزال وليس العزلة .
وحين سألته : هل جربتها ؟ قال : انا لم امر  بهذا المنطق الحزين!!
شكرته وتدحرجت الى شارع الرشيد بحثا عن اديب استطلع رأيه ، فصادفت الشاعر مروان عادل حمزة ،فرميت عليه سؤالي فتلقفه واجاب قائلا : والله انا عن نفسي لا أرى العزلة منتجة لشيء ذي صلة وثيقة بالواقع.
واضاف أن العزلة تنتج ادبا منعزلا مثلها،واذا أردت الحقيقة التي أراها حقيقة فعلا هي أن العزلة التي يروج لها المثقفون إنما هي مجرد عذر لا أكثر يبرر للكثيرين منهم ابتعادهم عن التفاصيل التي تربك  برامجهم والتداعكات التي تفسد اناقتهم.
وتوقف فجأة ثم قال : الشارع يغلي مثلا والمثقف يدعي عزلته ،الناس يظلمون والبلد يضيع ومثقفوه ينظّرون لتخليهم عن مسؤولياتهم !!.
توقف ثانية لبعض الوقت كأنه يسترجع ما قاله ثم قال : انا آسف جدا قد يبدو ما اقول قاسيا لكن هذا ما أراه كمواطن محسوب على الثقافة وأهلها مع اعتذاري لكل من هو فعلا غير ما اظن !
   وطرحت السؤال ذاته على الاديب سلام نوري..، فأجاب قائلا : الاديب والمثقف العراقي اصبح وحيدا في زمن التصحر الثقافي وتسلط اشباه المثقفين واصحاب الطروحات الغريبة المستوردة بشكل خاطئ،ولذلك كان لابد من اضاءة زاوية ما بدل العتمة التي تداهم المثقف ولذلك لابديل للعزلة وكما يقال..العزلة تورث المعرفة، اذن الخيار الاوفر حظاً ليبدع بعيدا عن اسقاطات الواقع المرير
 واضاف أن العزلة انا أعيشها منذ ٤ سنوات ماعدا برنامجي والان اقدمه من بيتي خدمة الفقراء فقط الذين تعودوا عليّ.
وتابع أن عزلتي في حقيقتها هروب من الواقع، وقد تسببت لي بالامراض والازمات، صحيح انني كتبت رواية مازلت لم انجزها لتغيرات الزمن وبالنتيجة احرقت مكتبتي نتيجة حصاري والافكار السوداء التي ترافقني فكانت المكتبة والدروع والشهادات اول خساراتي.
واستطرد أن حالتي النفسية تدهورت بسبب العزلة واحسست ان لا قيمة لأي شيء.
 اعدت قراءة الاراء ،وكان لابد من رأي لناقد ادبي يوضح ما ذهب اليه الادباء ، فتوجهت الى الناقد الادبي محمد جبير ووضعت اسئلتي بين يديه، قرأها على مهل ثم قال : هناك انواع من العزلة او الغياب عن المجتمع الثقافي وقد يكون لذلك اسباب كثيرة منها نفسية وفكرية واجتماعية لاني ارى في الكاتب او الاديب كائنا اجتماعيا انسانيا لايمكن ان يعيش الا في فضاء وسطه ولا يمكن ان يبدع او ينتج خارج هذا الفضاء الانساني مهما كان نوعه سلبي او ايجابي.
واضاف أن البعض من الكتاب يقرر العزلة لاسباب يرون فيها عجزهم عن مواصلة التطور الفكري والثقافي نتيجة تراجع قراءتهم وعدم تواصلهم مع ماهو حديث ومتجدد،هذا النوع او الفئة من الكتاب هم في الغالب من الاجيال السابقة والتي قدمت في زمنها ماتملكه من افكار وتطلعات،فيما يوجد نوع اخر من الشباب يرى في نفسه انه لايمتلك الموهبة والقدرة على مجاراة الاخرين من مجايليه فينسحب من المشهد ويقتعد ركنا قصيا يراقب من خلاله تطورات المشهد،وهناك نوع اخر لا يستطيع ان يتوافق مع المجتمع الثقافي لما يختزنه من عقد نفسية لا يستطيع تجاوزها.
وتابع : اما العزلة او ما اسميه بالغياب المؤقت فانه يعد مسالة ايجابية لمراقبة الكاتب لمنجزه والوقوف على السلبيات والايجابيات في ذلك المنجز وتطوير ماهو قادم من ابداع حيث تكون هذه الغيبة ايجابية وفاعلة ومحفزة داخل المشهد الثقافي.

التعليقات

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *