بغداد: شبكة اخبار العراق- لا نذيع سرا اذا قلنا: ان علاقة العديد من العلماء والادباء بالكتاب انما هي علاقة عاشق بمعشوق ..فهو تواق لرؤيته في كل حين، وملتذ بمصاحبته واستنطاقه، لايمل ولا يكل من ذلك آناء الليل واطراف النهار… ويستعذب أنْ يقضي العمر كله في رحابه.وهذا الحب العميق للكتاب، ربما مكن صاحبه من امتلاك مكتبة ثمينة عامرة، تضم في حناياها المصادر والنوادر من الكتب، متى ما أسعفه المال والحال…وممن جمع نفائس الكتب الحسن بن محمد الكاتب المكنى بأبي سعد (547 هجرية – 608 هجرية) وكان كما وصفه ياقوت الحموي: ( من الادباء العلماء زاكي النفس، طاهر الاخلاق، عالي الهمة، حسن الصورة مليح الشيبة… طويل القامة… ظريف الشكل) معجم الادباء ج9/184-185. وقال هو عن نفسه: (نحن من آل سيف الدولة بن حمدان بن حمدون من بني تغلب) وهنا يكشف عن السر الكامن وراء عشقه للعلم والأدب، مادام ينحدر من تلك الأسرة العريقة، التي ملكت ناصية الأدب العالي والجاه العريض .كانت مكتبته غنية بما حوته من النفائس، ثم ألجأته الضرورة الى ان ( يخرجها ويبيعها وعيناه تذرفان بالدموع كالمفارق لأهله الأعزاء والمفجوع بأحبائه الأوداء) المصدر السابق ص186 يقول ياقوت: قلت له: (هون عليك … ان الدهر ذو دول، وقد يسعف الزمان ويساعد، وترجع دولة العز وتعاود، فتستخلف ماهو أحسن منها وأجود، فقال: حسبك يا بني، هذه نتيجة خمسين سنة من العمر أنفقتها في تحصيلها، وهب ان المال يتيسر، والأجل يتأخر، – وهيهات- ، فحينئذ لا أحصل من جمعها بعد ذلك إلا على الفراق الذي ليس بعده تلاق. وأنشد بلسان الحال: هب الدهر أرضاني وأعتب صرفه وأعقب بالحسنى وفكّ من الاسرِ فمن لي بأيام الشباب التي مضت ومن لي بما قد مر في البؤس من عمري لقد حاول (ياقوت الحموي) أن يخفف عنه وطأة المصاب بكتبه، وهو يودعها الوداع الأخير، ولكنه لم يستطع ان يطفئ جمر اللوعة في نفسه، ذلك انها حتى لو عادت فلن يعود معها ربيع العمر وهو الشباب. انما العمر صحة وشباب فاذا وليا عن المرء ولى .ان كثيرا من العلماء والادباء والاكادميين والمثقفين باعوا مكتباتهم ابان الحصار الظالم على العراق بسبب مغامرات الدكتاتور المقبور، وبأبخس الاثمان ولا بد ان يكون بعضهم قد انسابت دموعه ساخنة على كتبه كما انسابت دموع «أبي سعد».وهناك ما هو أمض وأقسى من البيع، وهو ما كانت تمارسه الأجهزة القمعية للنظام البائد، حيث كان تصادر الاموال المنقولة وغير المنقولة لمن تعدهم من المعارضين لسياساتها الطائشة. وهذا ما وقع مع كاتب السطور حيث صودرت داره بما فيها، وأثمن ما فيها مكتبته بمطبوعاتها ومخطوطاتها، وكل ما يملك من وثائق ومستندات. لقد سقط الصنم وعدنا الى الوطن الحبيب، ولكن تلك المكتبة العامرة لم تعد بعد ان تناهبتها يد الحقد المسعور… إن الطغاة من الحكام هم أعداء العلم والثقافة والمعرفة والأدب. ولا يعترفون بهم إلا حين يوظفون طاقاتهم لصالح طغيانهم واستبدادهم، وهذا ما يأباه الأحرار والأبرار في كل زمان ومكان.