عصراً في شوارع الوزيرية

عصراً في شوارع الوزيرية
آخر تحديث:

بغداد: شبكة اخبار العراق- في واحدة من جولات التمشي التي ما كان ينبغي لها أن تتوقف ولا أن تفضي إلى شيء كتبت (النواقص والأخلاق) وهي من قصائد (ديوان اليد تكتشف)، وقد عنيت بفكرة الوصول المستحيل. كنت في تلك الجولة مع زعيم نصار عصر يوم  من شتاء 1991. كان مكانها هو شوارع وأزقة الوزيرية شبه المهجورة، بحيث يتاح للسائر فيها سماع حفيف أشجارها الهرمة مهما كان خافتا. إنه صمت مناسب لطبيعة تلك الجولات. كان هناك وقت ثقيل، وكان ينبغي قتل الوقت بمثل تلك الجولات التي عادة ما تمتلئ بأحاديث وبأحلام عن الشعر. كان موضوع حديثنا في تلك الجولة هو الجولة نفسها؛ أن تمضي بلاهدف وليس إلى هدف، أن يكون المشي هو هدف الجولة، وقد صار موضوعا لنقاش لم يدرك كلانا تمدده إلا وقد شارف الظلام ليطبق على المكان. واقعا كنا نتمشى بهدف قتل الوقت، كان التمشي وسيلة، لكن المتعة هي في أن تجعل التمشي هدفا، في أن تكون الوسيلة هي الهدف. من هنا بدأت الفكرة الشعرية للقصيدة؛ كان التفكير بحوارنا يمضي باتجاه شعري.. ينبغي للتمشي أن لايتوقف، أن لايكون هناك وصول، والدليل وحده هو الذي يمشي فلا يصل.  الماشي يريد أن يصل ليتوقف عن المشي، بينما الأدلاء في المسير سيكونون وحدهم السعداء بمواصلة السير والتمشي: (ثمة أدلاء لايصلون)، هكذا بدأت القصيدة، وهكذا خلصت إلى أن (وصولهم أنهم لايصلون)، وهكذا أيضا ختمت بأن (الذين لايصلون اشقائي/ يربي صرخاتهم اليأس). ومثل ذلك التمشي غير المن ضبط بهدف إلا بهدفه هو نفسه، فإن القصيدة جاءت ببناء مقطعي يقوم على وحدة الجملة الشعرية المستقلة. تتحرر القصيدة من نظام القصيدة ولكن تتماسك برؤيتها الشعرية. فيما هي تتمرد أيضا على حدود الفكرة الشعرية للحوار الطويل، فكرة المشي بلا وصول، لتمضي في أكثر من أفق من بينها أفق الوصول المستحيل. الفكرة الشعرية التي تنطلق منها القصيدة تظل فكرة بارقة وموحية، إنها تتوارى في جسد القصيدة لكنها تظل تشع من خلال روحها، روح القصيدة.

التعليقات

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *