بغداد/شبكة أخبار العراق- في كتابه الموسوم (( على ضفاف الكتابة والحياة..الاعتراف يأتي متأخرا)) يفرد مؤلفه الصحفي المخضرم عكاب سالم الطاهر حيزاً حصرياً منه للحديث عن والدته التي ربته وعانت من اجله بسبب تطلعه السياسي المبكر حتى اصبحت زائرة للسجون التي مكث فيها الطاهر ردحاً من الزمن ووفاء لتعبها ومعاناتها ومكابدتها فقد سماها «سنبلة الخريف» حيث يقول عنها: هي امرأة ريفية، كانت امنيتها ان يوفق ابنها في دراسته وان يصبح معلما في مدرسة قريبة، احلام مشروعة وقد تكون متواضعة لكنها كبيرة في تقييمات سكان الريف ويستدرك الطاهر قائلا: لكن هذه الاحلام تحطمت بالكامل ، حين جاءت ثلة من الشرطة لتفتيش البيت في ظهيرة احد ايام شهر تموز (1961) ..كان الابن عكاب بصحبة هذه المفرزة معتقلا..فتشوا كل صرائف الدار، حتى مربط « الهوايش» فلم يعثروا على شيء رغم هذه «الكبسة» المفاجئة ولست ادري لماذا..اخفيت بعض مقتنياتي من الكتب بين طيات سقف الكوخ..عادت المفرزة الى مدينة سوق الشيوخ، دون ان تعثر على دليل يُضاف الى ما عثرت عليه في الحقيبة التي امسكت بها وبحاملها في تلك الليلة ويمضي ابو شاهين في روايته احداث ما تعرضت اليه امه حيث يصف ذلك بلغة جميلة ومؤثرة من خلال القول وصُعقت «سنبلة الخريف» بما حدث فما الذي عملته ؟، لقد حاولت اللحاق بمفرزة الشرط فلم تفلح، لكنها وصلت الى سوق الشيوخ واحتارت من اين تبدأ و لكنني رددت على مسامعها كثيرا اسم «عادل الدلي» زميلي في الدراسة، لذلك سألت عن بيت الدلي واهتدت اليه وحين طرقت الباب كان بمواجهة «ام عادل» في البدء استغربت تلك المرأة الريفية ولكن حين عرفت قصتها فتحت (ام عادل) الباب مرحبة ولم تهدأ الام الا وقد واجهت الابن ولكن من وراء القضبان ويعترف الطاهر بلغة يشوبها الاسى والاعتذار المداف بالحزن المجروح: لقد اتعبت والدتي رحمها الله كثيرا ، كانت تلحق بي من معتقل الى اخر، عانت من التعب والقلق خصوصا بعد وفاة زوجها عام(1955).. وفي الرابع من اذار عام (1963) يُصاب الطاهر بقدر الموت الذي لا بد منه والتي غيب والدته والى الابد فذرف الدموع الساخنة لاجلها وهو يشعر من اعماقه انه اتعبها وهو يفلسف لماذا استخدم مفردة سنبلة الخريف للدلالة على والدته بقوله «السنبلة الخضراء عندما تحاصرها رياح الخريف تذبل وتصفر وتكون«طعما» لمنجل (الحاصود) .. كانت سنبلة ادركتها رياح الخريف .. بكيتها مرارا وتكرارا ولازلت اشعر بالتقصير ازاءها .
ويقول الحاج رسول سالم الطاهر «ابو اثير» وهو شقيق المؤلف (عكاب) ان والدتنا كانت بحق امرأة في قلب وقلب في جسد امرأة ورغم انها كانت تفيض حنانا علينا جميعا ورغم اني كنت الابن الاصغر او ( اخر عنقود الاخوة ) كما يحب ان يسميني شقيقي لكن الوالدة اعطت مساحة كبيرة من الاهتمام لابنها عكاب او انه استنزف وقتا اكبر من زمنها وهذا متأت من كثرة الاعتقالات والمطاردات التي تعرض لها ومن الطبيعي ان يقلق ذلك قلب الام ويقض مضاجعها ويحرمها من طعم النوم ويذيقها العلقم لكثرة البحث عنه من معتقل الى اخر .. رحم الله امرأة كابدت وتحملت الشقاء ..رحم الله امرأة كانت احلامها الوردية ان ترى ابناءها يضعون اقدامهم في طريق خدمة العراق.
على ضفاف الكتابة والحياة..الاعتراف يأتي متأخرا
آخر تحديث: