عيد الحب… ثقافة الذكرى

عيد الحب… ثقافة الذكرى
آخر تحديث:

ابتهال بليبل
عيد حب حزين وعيد حب سعيد.. المحبون الجدد سعداء والمحبون القدامى تعساء… هل فكرت يوما لماذا عندما يُذكر عيد الحب أمامك أو تشهد مناسبته فأن ذاكرتك تبدأ بالانسحاب تدريجياً والعودة بك نحو عوالم يملأ حيزها الشوق والحنين؟ وهل خطر ببالك أن لهذا العيد علاقة بمفهوم الذكرى؟   أول ما يجب الأخذ به هو أن حزمة المشاهد والأحداث والمواقف والصور التي تواكب قصة حب ما، هي كائن يتكرر في كل مناسبة لعيد الحب. ولو دققنا أكثر لاكتشفنا أن هذا الكائن يتحكم في صناعة مشاعرنا وفي تشكيل رغباتنا المضمرة. وهي في الغالب حقيقية وليست متخيلة سواء كانت قصة حب حزينة أو سعيدة. فكلاهما واحد، بل إن الذكريات تدور حول الشوق والحنين وما يفرزان من حزن وسعادة. مشاعر الشوق والحنين تكاد تكون هي لب الذكرى. وسنرى أن كثيراً من قصص الحب التي كانت نهاياتها حزينة هي مجرد مشاعر من الأسى والكآبة، كما ورد عن الكثير من القصص التي انتهت بانتحار الحبيبة او الحبيب لفقدان القدرة على تحمل ذكريات تبدو مخيبة للرجاء. ونحن هنا سنأخذ عيد الحب على أنه واحد ، وكأنما هو كائن يمثل هذه الذكرى ، ونرسم أنماطها التي نتبادل أدوار تمثله وتعبر عنه ، بعيداً عن تفاصيل وأحداث بالضرورة هي غير موحدة في قصص الحب كافة. فهذا العيد يتولى تسريب ذكرياتنا من دون وعي. ولسوف نرى أن المغيب من تفاصيلها أو المنسي سيقوم بدوره، وهو الظهور. ومن هنا فإننا سنركز على مشاعر مرتبطة بتلك المرحلة بوصفها مألوفة.
حينما نقول إن لمناسبة عيد الحب علاقة وطيدة بالذكرى أو الذاكرة التي تحاول أن تلتقط قطعاً وأجزاء متفرقة من الماضي إلى جانب الآثار القليلة الباقية من المجهول والمغمور – هذا ما يقوله الروائي باتريك موديان – فإن ذلك يعني أن فعل ألاستذكار، لا يقوم إلا بدور الوسيلة، التي تحملنا إلى مشاعرنا القديمة. ففقدان الحبيب وعلاقة الحب الحزينة لا تشكل أحداثها شيئاً بقدر ارتباطها بمشاعر الم الفقدان. بهذا المعنى، فإن الذكرى ما هي إلا عملية مهمة لإنعاش المشاعر الإنسانية لأن وظيفتها توليد طاقة ايجابية نفعية من خلال يوم عيد الحب.  وقبل كل شيء آخر، يعد يوم عيد الحب مختلفاً. فنحن نشغل أنفسنا في بقية أيام السنة بالمشاكل والضوضاء ومشاعر الكره وربما الحقد والإقصاء وتصيد أخطاء الآخرين، بينما وحده هذا اليوم ” عيد الحب ” يثير في حساسيتنا ذبذبات غامضة.
من جانب آخر، قد تعلن هذه الذبذبات بالضرورة عن أننا نعيش الحب حتى الآن، مادامت مشاعر الحنين والشوق قد تجددت بالقوة ذاتها. بيد أنها لا تدلّ بمثل ذلك الوضوح في أيام أخرى. مع ذلك يبقى هذا العيد رمزاً بنظر كثير من المحبين الذين فقدوا احبابهم أو خاضوا تجارب حب فاشلة. بيد أن الحب يُنسى إن لم يكن قائماً على الذكرى التي ستظل مشكلة ، حتى إذا ما حاولنا التغاضي عن محفزاتها التي من الممكن لها إعادة إحياء مشاعر الحب واستمرارية ارتباطها بسلسلة من مشاهد وصور سابقة ولاحقة – يجب ألا يفهم أي شخص من كلمة ” استمرارية ” أن الحب يدوم، أو أنهما سوف يتحابان دائماً أو إلى الأبد. لابد أن نفهم أن الحب يبتكر طريقة جديدة للاستمرار في الحياة. يواجه وجود كل شخص، حين يتعرض لخبرة الحب، مفهوماً جديداً للزمن. وطبعاً لو أننا رددنا صوت الشاعر، فالحب هو أيضاً ” الرغبة الدائمة في الدوام “. لكن فوق هذا، هي رغبة في دوام مجهول. ذلك أن الحب كما نعرف جميعا هو إعادة ابتكار الحياة. إن ابتكار الحب من جديد يعني إعادة ابتكار ذلك الابتكار الجديد للحياة – كما يقول آلان بادي في كتابه (في مدح الحب).
فيما يتعلق بقصص الحب السعيدة أو العشاق الجدد، فيمكنهم اكتشاف الجانب المتفائل في عيد الحب. فهو يرغمهم على استعادة ذكرياتهم معاً وبالتالي ينعش مشاعرهما ومن ثم تقوى أواصر علاقتهما – وكما يقول أندريه جيد، يكمن في نظرته بالأحرى أكثر مما يكمن في الشيء المنظور- لقد أنشغل العالم وتحديداً عشاقه كثيراً بعيد الحب وبثقافة التضحية التي يمثلها كما نسمع ونقرأ. ولكننا لو دققنا أكثر بقيمة هذا اليوم سندرك بأنه يتبنى ثقافة الذكرى. ولأن الذكرى بمثابة الخيال الذي نراه في المرآة من الشيء الموضوع أمامها ، كما يقول الفيلسوف الفرنسي هنري برغسون ، لذا فهي من أكثر المفاهيم إشكالية، كونها تخفي وتظهر وفق أسباب وتداعيات أو ربما طقوس تبدو غامضة ومجهولة في كثير من الاحيان . ليس بوسعك دائما السيطرة عليها أو التخطيط لها. فإذا بنا أمام مشاعر وأحاسيس جبرية انفعالية. ولذكريات الحب المدفونة التي لا صوت لها دلالات عميقة تقف على تجاربنا وتصوراتنا عنها تارة وعلاقتنا بمفهوم الحب ذاته تارة أخرى، هذا على مستوى مردود هذه الذكريات الذي يتضح من خلال مشاعر كنا نتصور انها لم تعد تشغلنا بالأساس.عيد الحب مهم جدا لقضية تتعلق بمركزية الاشعاع الذي يطور أحاسيسنا.. المغزى من كل هذا نقول: إن عيد الحب هذا مقدس فلا أحد يمكنه أن يختلف أو يجادل بقدرته الغريبة في إثارة المغيب والمخفي من مشاعرنا الإنسانية .

التعليقات

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *