فشلت الوزارة والمؤسسات.. ماذا عن الجامعات؟

فشلت الوزارة والمؤسسات.. ماذا عن الجامعات؟
آخر تحديث:

عبد الزهرة زكي

باتت (الخفّة) التي تطبع أداء كثير من المؤسسات الثقافية تدفع إلى يأس نهائي من إمكانية التعويل على المؤسسات في إصلاح هذه الفوضى الجاهلة المتحكمة بكل شيء مما له صلة بالفعاليات الثقافية.لكن وزارة الثقافة، ومعها جميع مؤسساتها، أضاعت الطريق حتى إلى هذه الخفة، فلا أثر للوزارة في الفعل الثقافي غير الذكر السيئ لفعاليات بغداد عاصمة الثقافة العربية. لقد انتهت وزارة الثقافة من كل ما له صلة بالثقافة منذ سنوات؛ كان في الأقل ينتظر منها أن تنهض بدور حكومي في الثقافة لكن الوزارة تخلت بأريحية لا تُحسد عليها عن مثل هذا الدور المنبوذ ثقافياً دائماً. سوء الأحوال هو ما يدفع إلى تذكّر الوظيفة الثقافية الحكومية، وإلا لا يغامر أحد مثلي بمطالبة الوزارة لتتذكر وظيفتها التي أقيمت من أجلها. حقيقةً لا أطالب الوزارة هنا بدور ثقافي حكومي ولكني أنعى موت الوزارة التي تخلت حتى عن مبدأ أضعف الإيمان الثقافي.منظمات وتجمعات واتحادات ومؤسسات ثقافية أخرى، غير حكومية، أعتقد أنها كثيرة ولكنها قليلا ما باتت تستذكَر حين يجري حديث عن فعاليات ثقافية جادة.
لا أدري الآن ما إذا كان فرع اتحاد الأدباء في النجف، مثلا، ما زال ملتزماً بإعداد منظم شيئاً ما لفعالياته التي دأب عليها إلى جنب بعض الفروع الأخرى وأحياناً بعض نوادي مركز الاتحاد في
بغداد.هذه الفعاليات جادة نسبياً بالقياس إلى الرداءة، وليس قياساً على ما مأمول، وهي قليلة لم تؤسس لتقاليد راسخة.. بينما نجح ما هو غير جاد في الزحف والتقدم على ما سواه حتى بات هو الأصل المتوقع والذي يتبادر إلى الذهن ما إن يسمع المرء منا عن فعالية ستقام.منذ سنوات تركز النظر واتجه الأمل صوب شارع المتنبي غير أن النمطية التي أوقعت جمعة المتنبي نفسها فيها هي أيضاً ما عادت تغري بشيء سوى هذا اللقاء العام، لقاء الجميع بالجميع، وكرنفال الكتب والقرّاء والكتاب، غير أنه كرنفال لم يُستثمر جيداً وهو يميل إلى الركود ورتابة التكرار. يمكن التوقّع أن هذه الجمعة هي لقاء اضطرار ستبدده أيّة فرص تتاح حين تستعيد المدينة (بغداد) حيويتها وتتعدد فيها وتتنوع مراكز استقطاب هذا الجمهور العريض الذي لا خيار له سوى جمعة المتنبي.هذه مشكلات فقدان الإدارات الثقافية الموهوبة والمتفتّحة والقادرة على الابتكار والتجديد وتنويع تفاصيل حياة الثقافة.. النوافذ الثقافية المتعددة والمتاحة حالياً في شارع المتنبي آخذة بالاستسلام إلى النمطية وتفادي إعمال الذهن والخيال من أجل فعاليات تستحق الذكر وتدعو فعلا إلى الانتباه إليها.
قبل عقود كان اتحاد الأدباء هو المؤسسة الأولى لتنظيم الفعاليات الثقافية الجادة. أتذكر هنا العقد السبعيني مثلا. لكن في ذلك العقد نشط ثقافياً نادي التعارف ايضاً (وهو نادٍ اجتماعي لأبناء الديانة الصابئية)، ثم تحفزت جمعية التشكيليين فباتت هي الأخرى منافساً جدياً لاتحاد الأدباء. ويمكن أن أستذكر هنا المركز الثقافي لجامعة البصرة الذي توفر أحياناً ليست قليلة على حيوية أراد بها مضارعة الحيوية البغدادية. ولعل مؤسسات أخرى في محافظات أخرى نشطت هي أيضاً وتغيب الآن عن بالي أو لم أكن أعرف بها.كانت تتوفر في هذه الأماكن إرادة التخطيط والعمل والتنظيم حين كان يتصدّر هناك أفراد طامحون ومؤمنون بقيمة وجدية ما يفعلون من أجل الثقافة، في القليل كانت هناك مناهج فعاليات نصف سنوية يجري إعدادها ويطلّع عليها الجمهور المتابع.. المنهاج مهم من حيث أنه يضع المنظمين أمام مسؤوليات جدية كما يضع المشاركين بالفعاليات أمام تحديات مسؤولياتهم بمواجهة الجمهور واحترام ثقة المؤسسات الداعية لهم لفعالياتها.ينبغي القول هنا إن الحياة الثقافية نفسها يمكن أن تكون محفِّزة أو مثبطة للفعاليات الثقافية ولمدى جديتها.الحياة الثقافية ضربتها الفوضى، وتفككت، وشحبت بانعدام معايير النقد. الانتقال من مركزية الحياة الثقافية، تخطيطاً وتنظيماً، إلى اللامركزية الحرة لم يجرِ بالسلاسة اللازمة. لم تنضبط الحياة الثقافية بتقاليد من داخلها تعصمها من مشكلات المرحلة الانتقالية، كما حصل أيضا في باقي مجالات الحياة، فكان من نتائج هذا الانتقال هذه الفوضى.أستطيع أن أشير، ولو بتردد، إلى موضعٍ يمكنه عمل شيء لاستعادة دور النقد ولضبط تنظيم الفعاليات والاعتناء بقيمتها، يمكن انتظار عمل ما من داخل الجامعات، عبر كلياتها وأقسامها التي ما زالت تحتفظ برصانة أكاديمية وتطلع ثقافي يعتد به. يمكن للجامعة النهوض، ومن خلال بعض أساتذتها المتنورين، لعمل فعاليات تعزز الحياة الثقافية، وتملأ فراغاً آخذاً بالاتساع، وترسي تقاليد جديدة للصلة بين الجامعة والحياة والثقافة.يمكن هذا، ولكنه يتطلب مبادرات شجاعة من الجامعات واستجابات جوهرية من المثقفين.

التعليقات

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *