حين تتراكم الفضائح وتتوالى الواحدة تلو الأخرى , وحين تصبح السلطة مجالا واسعا للفساد والسرقة والنهب المنظم للمال العام , وحين تبدأ العملية الديمقراطية والانتخابية باكبر عملية تزوير في التأريخ , وحين يكون القضاء شاهد زور على فضائح تزوير الانتخابات , وحين يتآمر رئيس الجمهورية ورئيس مجلس النوّاب ورئيس المحكمة الاتحادية العليا على تجاوز الدستور الذي يوجب تكليف مرّشح الكتلة الأكثر عددا , وحين تتدّخل السلطة الدينية في تسمية من سيكون رئيسا للوزراء ويكون لأبن المرجع الأعلى الكلمة الفصل في هذا الأمر , فمن الطبيعي والمنطقي أن تكون النتائج بهذا الشكل المقرّف , فحين تكون مقدّمات العملية الديمقراطية بهذه الوساخة فمن المؤكد أن تكون النتائج بهذا القدر من الفضائح , فما يكاد المواطن العراقي المسكين يغفو على فضيحة حتى يصحو على فضيحة أكثر منها مرارة وأشدّ إيلاما .
ودولة رئيس الوزراء الذي جاء للسلطة بتزكية من السيد محمد رضا السيستاني والسيد مقتدى الصدر والسيد هادي العامري , قد خيّب آمال من رشّحه وزّكاه وارتضاه ليكون رئيسا للوزراء خلافا للدستور , والحقيقة أنّ الشعب العراقي لم يلمس من المواصفات التي حددّتها المرجعية الدينية العليا بمن سيكون رئيسا للوزراء حتى القدر الأدنى , فلم يظهر السيد عادل عبد المهدي بذلك القدر من الحزم والقوّة والشجاعة التي سوّق على أساسها ليكون رئيسا للوزراء , بل على العكس من ذلك ظهر ضعيفا وحائرا وغير قادر على اتخاذ أي قرار يحفظ ماء وجهه أمام من ارتضاه وأصرّ عليه , وإذا كان العراقيون قد أعابوا على سلفه حيدر العبادي ضعفه وترّدده , فإنّ خلفه السيد عادل عبد المهدي قد فاقه بهذا الترّدد والضعف أضعاف المرّات , وبالرغم من وجود وزراء أكفاء في وزارة السيد عبد المهدي أمثال وزير التعليم العالي ووزير الكهرباء ووزير النقل ووزير النفط , إلا أنّ الفضائح التي أطالت باق الوزراء قد خيّبت وأطاحت بآمال العراقيين بالبناء والإصلاح ومحاربة الفساد وذهبت بها أدراج الرياح .
وبدون الخوض في تفاصيل الفضيحة المدّوية التي هزّت الرأي العام العراقي باستيزار السيدة شيماء خليل نجم عبد الله الحيالي المنحدرة من عائلة توّرط قسم كبير من أفرادها بالعمل مع داعش , ابتداء من شقيقها ليث نجم عبد الله الحيالي القيادي في داعش ومرورا بابن شقيقها الذي فجرّ نفسه بالقوّات الأمنية وانتهاء بزوجها التائب لداعش .. كيف جاءت إلى الوزارة ومن هو الذي رشّحها لهذا المنصب الخطير ؟ وكيف مرّت على السيد رئيس الوزراء وطاقمه من دون التدقيق بسيرتها وسيرة عائلتها ؟ وكيف مرّت من مجلس النواب مع العلم أنّها لم تحصل على الأصوات المطلوبة لنيل الثقة بموجب التسجيل الرسمي لوقائع جلسة مجلس النوّاب ؟ وماذا ستقول كتلة البناء التي رشّحت الوزيرة , لأمهات وزوجات وأيتام شهداء الحشد الشعبي والقوّات المسلحة العراقية الذين استشهدوا على يد داعش خلال معارك التحرير ؟ من هو المسؤول تحديدا عن فضيحة شيماء خليل ابراهيم الحيالي ؟ وهل تكفي استقالتها للتغطية على هذه الفضيحة المدّوية ؟ بهذه الآلية تمّ اختيار باق الوزراء ؟ وماذ بشأن فضيحة التصويت على تمرير الوزيرة المذكورة التي أظهرها تسجيل جلسة مجلس النوّاب ؟ وهلل مرر الآخرون بنفس طريقة شيماء الحيالي ؟ .. أخيرا أتوّجه للسيد رئيس الوزراء عادل عبد المهدي بدافع المحبة والأخوّة في الله , باعتباره رئيسا للوزراء والمسؤول الأول عن وزرائه , هل هذه هي حسن العاقبة التي ترتجيها من الله سبحانه وتعالى ؟ بماذ ستواجه ربّك يا سيد عادل وأنت في سنيّ عمرك الأخيرة ؟ وهل يستحق ما تبقى من العمر أن تبيع من أجله آخرتك ؟ هل ستستمر رئيسا للوزراء أم أنّك ستنتفض لله ولنفسك وتنزع عنك هذا الحمل الذي سيقصم ظهرك ؟ دولة رئيس الوزراء المحترم .. قدّم استقالتك لرئيس الجمهورية فورا وانزع عنك هذا الحمل الذي سيجلب لك العذاب الأبدي .