محمد علوان جبر
يريد. حسنا بعد ان انتهينا من مراسيم التعارف الباهتة، أود أن أحدثكم عن تلك الليلة التي قررت فيها أن أغادركم، وأعني الليلة الباردة، كنت وحدي حينما أحسست أن هناك ما يتوجب القيام به وهو التوجه إلى المستشفى، وقلت مع نفسي هل وصل الأمر مداه؟ ربما سمعها الرجل الذي رفعني إلى غرفة في مستشفى مدينة الطب، لكني طلبت منه وبإلحاح غريب أن يهبط بي إلى الطابق الأرضي.. طلبت من بائع على الناصية بمواجهة المستشفى علبة سكائر فقط وأخرجت من جيب معطفي المتهالك قداحة.. أشعلت سيكارتي ونفثت دخانها في برد الليل الموحش… أوقفت سيارة تكسي، لكن سائقها نظر في عيني مباشرة ولم يتوقف.. مضت السيارة بعيدا ولم تترك خلفها الا دخان برائحة تزكم الانف، لكن سيارة أخرى توقفت قربي، كانت تشبه السيارات التي تنقل فيها النعوش إلى المقابر الملاصقة للكنائس، كان يقودها رجل يشبه «عزرائيل» وهنا أود أن أعلمكم بأن السيد «عزرائيل» ليس بالصورة التي نقلتها إلينا أساطيرنا وكتبنا المقدسة، كان وديعا وهادئا وحزينا حزنه يشبه مسحة الحزن على وجه «هاملت» كما صورها لنا شكسبير.. لم يكن مخيفا رغم البرد تحدث بهدوء «طلب مني أن أركب» أثار طلبه مني الركوب وساوسي التي يبدو أنه فهمها فسألني
بسرعة
ـ إلى اين ؟
أجبته بسرعة وأنا أخرج سيكارة أخرى وأشعلها
ــ الى المقبرة ..!!!
وأضفت:
ــ انا لا أملك مالا لأعطيك، ولكن لدي الكثير من الكلمات التي» اذا رغبت أن أعطيك منها ماتريد» واضفت وسأترك لك هذا المعطف وهذه الهوية… قال لي…. « والى ماذا تشير هذه الهوية….؟ «
قلت
ــ هوية اتحاد الادباء…. وهذه أيضا… انها هوية نقابة الصحفيين العراقيين .. وهذه هوية نقابة الصحفيين والكتاب العرب… وهذه هوية اتحاد الادباء والكتاب العرب وهذا «سيفي» مشروح فيه كل ما انجزت بدءا من الجنون والعسل ومرورا بإشكالويات خضير ميري، والكثير من كتب الفلسفة والقصة والرواية والنقد .. الكثير من الشعر، هل تريد أن أقرأ لك شعرا حتى
تصدق….ضحك الرجل «عزرائيل» وقال لي اركب بسرعة وأغلق الباب جيدا لأنني سأقود بسرعة جنونية، وهكذا ركبت عربة الموت السريعة في ليلة باردة من ليالي بغداد كنت متجهما فيما كان دخان سيكارتي يمتزج مع برد تلك الليلة…. ولذا حالما انتهي من قراءة هذه الورقة، سأعود سريعا، لأني طلبت إذنا من مخلوقات العالم الآخر، إذنا لساعة واحدة هي كل ما أحتاجه للحديث معكم ايها الأحبة…. لذا سأقول لكم ولنفسي وداعا… مرة
أخرى.