بغداد/شبكة أخبار العراق- في منتصف كانون الثاني الماضي، جنوبي صحراء الأنبار العراقية الشاسعة، أعلنت قيادة عمليات الأنبار، وهو التشكيل العسكري المشرف على قطعات الجيش والشرطة العراقية في الجزء الغربي من العراق، أنها قتلت خمسة أعضاء بتنظيم “داعش”، كانوا داخل عجلة رباعية الدفع، قبل أن يتبين بعد أيام قليلة أنّ الأشخاص الخمسة هم من المدنيين، وأن أحدهم موظف في دائرة الضريبة، وآخر صاحب متجر لبيع الأثاث المستعمل، وكانوا جميعهم في رحلة للبحث عن نبات الكمأ، وصيد الأرانب التي تشتهر المنطقة بها. وأعقب هذه الحادثة بعد أيام إعلان هيئة “الحشد الشعبي”، عن مقتل عنصرين من “داعش” بسيارة بيك أب تحمل أغناماً في صحراء البعاج، ليتبين أيضاً أن العنصرين هما تاجرا أغنام، ويحملان ترخيصاً من قيادة عمليات نينوى.حوادث القتل عن طريق الخطأ على يد القوات العراقية وفصائل “الحشد الشعبي”، أو مقاتلي العشائر العربية السنية، والتي اتسعت في الآونة الأخيرة، بدأت تتفاقم معها مشاعر الظلم الذي يعانيه ذوو الضحايا. فالاعتراف الرسمي بأن مقتلهم كان خطأً “يستوجب تحقيقاً وعقاباً، ثمّ تعويضاً واعتذاراً رسمياً”، وفق ما يقول مسؤول محلي في حكومة الأنبار، في حديث صحفي، مؤكداً أنّ “حوادث القتل على الشبهة تزايدت، والجنود يطلقون النار بلا خوف من الحساب، ما دام الهدف المعلن هو ما يطلق عليه اليوم القضاء على بقايا داعش”.ويطالب المسؤول الذي طلب عدم ذكر اسمه، في الوقت عينه، السكان في الأنبار بـ”الابتعاد عن مواطن الشبهات، وترك الصحراء والتخييم فيها، وعدم الخروج ليلاً، وتجنّب قيادة السيارة أو الدراجة بسرعة قرب حواجز التفتيش، والاستعانة بسيارات الإسعاف بحالات الولادة ليلاً، بدلاً من الخروج والتعرّض لخطر إطلاق النار من قبل الحواجز الأمنية”. لكنّ الشيخ صباح المشهداني، أحد وجهاء منطقة الطارمية شمالي بغداد، يقول متهكماً، إنّ الجيش والشرطة العراقية “فيهما روائيون ينافسون (الكاتب والروائي المصري) إحسان عبد القدوس، بنسج القصص بعد كل عملية قتل عن طريق الخطأ”. ويوضح في حديث أنه “قبل مدة قتلوا سائق سيارة ميني باص من نوع كيا، وقالوا إنه مسؤول عن نقل انتحاريي داعش من أطراف بغداد لداخلها. ورغم معرفتنا بأنّ السائق بريء، لكننا لم ننجح في إثبات ذلك، فالمدافع عنه يعني أنه مدافع عن داعش”.
ويضيف المشهداني الذي غادر منطقة الطارمية إلى إقليم كردستان العراق منذ أسابيع، بسبب شكوى تقدّم بها لرئيس الوزراء عادل عبد المهدي، بحقّ ضابط رفيع بالجيش، ما تسبب باستعدائه من دون اتخاذ رئيس الوزراء أي إجراء حيال الشكوى، وفقاً لقوله، إنّ ثلاثة من أبناء منطقته “قتلوا ظلماً خلال عمليات للجيش العراقي، أحدهم عن طريق ضربه لانتزاع اعترافات منه، فيما تمّ وصم الثلاثة بأنهم ينتمون لداعش، للتخلّص من المسؤولية القانونية والأخلاقية اتجاههم”. ويتابع “لو كنت ما زالت في المنطقة لما تجرّأت على قول هذا الكلام، كوني سأعتقل. لذا، لن تجد أحداً يتحدّث بصراحة عن الذين قتلوا عن طريق الخطأ وتمّ اعتبارهم إرهابيين”. ويشير المشهداني إلى أنّ “هناك الكثير من الظلم، لكنّ صوت الحرب على داعش يطغى على كل الأصوات الأخرى، وتحته ترتكب الفظائع في العراق”.
إلى ذلك، يوضح النائب عبد الكريم عبطان، القيادي في تحالف “الوطنية” الذي يتزعمه إياد علاوي، أنّ “هناك أكثر من سؤال يجب أن يوجّه لأجهزة الأمن حيال تلك الحوادث، فمقتل مواطن بريء واحد مشكلة أخلاقية وإنسانية، ويفترض في حال وجود ما ينفي صفة الإرهاب عن الضحية، فتح تحقيق فوري، وعلى رئيس الوزراء، باعتباره ولي الدم، أن يفتح تحقيقات في كل مظلمة ترد إليه، أو تنقلها وسائل الإعلام عن السكان المحليين”.
ويضيف عبطان أن “هناك مظالم، وفي الوقت نفسه نحن مع القانون والأمن. لكن الخطأ في الدم ليس كالخطأ في غيره، ونسأل عن الذين تم اغتيالهم وقتلهم أو الذين اختطفوا واعتقلوا ولم يظهروا أو يعودوا لأهلهم حتى الآن، أين هم؟”. من جانبه، يستغرب النائب السابق عن محافظة نينوى، محمد العبد ربه، عدم حصول أي تحقيق في حالات قتل عراقيين عن طريق الخطأ، ويضيف في حديث، أنه “لا يوجد بلد حتى الآن يقتل على الشبهة، وإذا أردنا القيام بعملية ما، يجب أن تكون على ضوء معلومات استخبارية دقيقة وأدلة، إذ لا يجوز زهق الأرواح بطريقة عبثية، وبدون القيام بتحركات مضادة للحد من ذلك”.
ويشير إلى أن “هناك عناصر من داعش في مناطق الجزيرة وبادية الموصل، ونحن متفقون حيال هذا الأمر، لكن في المقابل، هناك أيضاً مدنيون أبرياء، والحكومة بالدرجة الأساس هي التي تتحمّل مسؤولية ما يجري من عمليات القتل الخطأ”، مؤكداً أنه “إلى حدّ الآن، لم يتم تعويض أسر ضحايا من قتلوا عن طريق الخطأ، لأنّ الإجراءات في العراق بيروقراطية، وتحتاج إلى وقت طويل يستغرق في بعض الأحيان سنة. كما أنه في الوقت نفسه، قد لا تعترف الحكومة بخطئها بهذا الأمر”.