قراءة سياسية في تحالفات تشكيل الحكومات المحلية

قراءة سياسية في تحالفات تشكيل الحكومات المحلية
آخر تحديث:

بغداد/ شبكة أخبار العراق –  تقرير سعد الكناني … يقترع المواطنون دومًا على أمل التغيير، والإتيان بوجوه جديدة إلى البرلمان او لحكومات محلية ، لكن الامتلاءات الحزبية والعشائرية والدينية هي المتحكمة برقاب ممثلي الشعب، وبالحكومات المحلية، التي يصفونها بماكنات فساد ضخمة  مع بدء تشكيل الحكومات المحلية في العراق، ينقسم المواطنون بين متفائل ومتشائم، وبين آخرين لا يبدون اهتمامًا بالموضوع بشكل يثير التساؤل، وكأن الأمر لا يعنيهم من قريب أو بعيد، بل أن مواطنين أدلوا بأصواتهم لصالح مرشحين معينين لكنهم مع ذلك يبدون يائسين من أي تغيير قادم ولعدة أسباب منها  “ماكنة الفساد الضخمة تجعل الجميع يدور في فلكها، وبسبب انتشار الفساد المالي والإداري، وظهور معالم الإثراء السريع بين الكثير من المتنفذين والمسؤولين في الحكومات المحلية، تجسدت صورة المسؤول الحكومي الجشع، الباحث عن المكتسبات الشخصية والحزبية للجهة التي ينتمي لها.ويشعر العراقيون بفوضى تحالفات تتبدل في كل وقت، حتى صار من الصعب متابعتها، بل صارت مثار سخرية في الشارع العراقي، لاسيما أنها لا تعتمد على الاتفاق على برامج سياسية أو خدمية، إنما الغرض منها كسب اكبر عدد من الأصوات لنيل جوائز المناصب.وسعى ائتلاف دولة القانون إلى التحالف مع عدد من الكتل، بعد أن خسر المالكي الكثير من أرصدته في مقاعد المجالس المحلية، ليتسبب ذلك في فسح الطريق أمام منافسيه لإزاحة ائتلافه عن حكومات المحافظات، ومن قراءة أخرى يرى البعض ان المفاوضات في تشكيل الحكومات المحلية يمكن ان ‏تؤشر نضجا في الأداء السياسي لأكثر من طرف. ويمكن ان تكون “بروفا” وتمرينا على درس تداول ‏السلطة غداة سقوط نظرية “بناء الرجل القوي” بسبب فساد التعريف الشرقي العتيق للقوة.الإطراف الأساسية بدأت تدرك ان الأمر لم يعد تنافسا بين رجلين على الجلوس خلف مقود العجلة في ‏مناخ إقليمي مصبوغ بالأسود والأحمر. بل هناك سائق لم يحسن تجنب المطبات والمنعطفات، ويمنحه ‏الجميع كل يوم فرصة جديدة فيصر على تبديدها في الغالب والتمسك بنهج يرعب الجميع. الأولوية ‏بغض النظر عن قواعد التنافس والخصومة، هي لتأمين سائق متعقل للعجلة المخبولة. وهذه الحقيقة ‏هي التي أدارت عجلة المفاوضات بين الصدر والحكيم ومتحدون، والقوى الأخرى، وقلبت المعادلة ‏رأسا على عقب في تشكيل الحكومات المحلية ببغداد والبصرة ونحو 7 محافظات أخرى. بروفا تقاسم السلطة في المحافظات وبنكهة تفاهمات أسس لها لقاء اربيل النجف قبل سنة، تهيئ ‏خارطة شيعية واعدة لتقاسم المصالح، سيكون من شأنها نقل السلطة وتسهيل المجيء بقيادة متوازنة، ‏وإعادة تعريف الشراكة مع كتلة دولة القانون نفسها كثقل وطني ايضا، والاستجابة لنداء الأطراف ‏العراقية المختلفة الذي تسلمه التحالف الوطني، رغبة برؤية دماء جديدة ومتعقلة في الفريق الذي يدير ‏الحكومة، وبشكل يسهل إعادة الاعتبار لمؤسسات الدولة وقيم التعدد واللامركزية التي طالب بها ‏الجميع في مراجعة شاملة شهدها اتفاق اربيل عام 2010. وما يحصل في مجالس المحافظات يحمل أيضا رسالة مهمة إلى الخارج ومراكز القوى الدولية ‏والإقليمية التي ظلت تقول ان هناك “تعسرا في تجهيز البديل الشيعي”. وكان هذا ازدراء من طراز ‏رفيع تتعرض له كل الطبقة السياسية العليا في بلد كبير ومعقد مثل العراق. والازدراء هذا لم يأت من ‏فراغ بل اخذ مبرره من ثغرات في منطق وقواعد التفاوض الذي مارسته كل الأطراف. اما اليوم فباتت ‏لدينا نتائج انتخابات تميل كفتها لصالح فريق “شيعة ضد الحرب” الذي مارس ضغوطا على المالكي ‏ليركن الدبابات في “الدشم” ويعد صالونات التفاهم. ان مفاوضات تشكيل الحكومات المحلية مفادها ان ‏الجميع عجزوا عن بناء تفاهم مع رأس ائتلاف دولة القانون، وأنهم ينجحون في تصميم صفقات بديلة ‏رغم صعوبة الظرف وتراجع كل ما يشجع الحوار في بعض اللحظات.  أميركا وإيران اللذين تحججا بعجز شيعي في التوافق على بديل للمالكي، وبتفوق المالكي عدديا، ‏يواجهان اليوم حقائق جديدة. فمشروع “بناء رجل قوي” وضع البلاد على أسوأ حافات الهاوية التي كنا ‏نتخيلها، وهو أمر تردده مراكز الأبحاث الغربية نفسها. وانسداد السياسة فتح البوابة العراقية أمام أسوأ ‏شرور النزاع الإقليمي. والقوى الكبرى قلقة بشدة من نتائج هذا. وجيد ان العراقيين وافقوا على اكثر من سبيل للتهدئة عبر اللقاء في دار الحكيم، ولقاء المالكي ‏وبارزاني في كردستان، وصولا إلى انتخابات 2014، والتي سيراقب الجميع خلالها أداء القوى ‏الشيعية التي رفضت فكرة “الرجل القوي” ودعمت عن قناعة بالتعدد، خيار المؤسسة القوية والشراكة ‏الواسعة التي لا توصد باب الحوار والتسويات. الأمر ليس مجرد رسائل للداخل والخارج عن مرحلة ما بعد الاقتراع المحلي، بل ينطوي على أولوية ‏مراجعة لا بد لرئيس ائتلاف دولة القانون وحزبه ان يقوما بها. الأصوات والجمهور الذين انحازوا ‏للمالكي يريدون في النهاية أداء يجنبهم الخسارات. ويريدون إجابات شافية من الفريق السياسي الذي ‏بدد فرصا كبيرة. والأمر ينطوي أيضا على ضرورات الاستعداد للحظة كبيرة في الاقتراع البرلماني بعد بضعة شهور، ‏والذي سيجري في مناخ اقليمي مصبوغ بالأسود والأحمر، ويتطلب من “شيعة ضد الحرب” أقصى ‏عمليات ضبط النفس والتمسك بجملة مبادئ التهدئة وروح الحوار، وتصميم رسائل بحجم المسؤولية ‏للداخل والخارج. وهناك رسالة لإيران التي تبقى شريكا كبيرا نحتاج تصحيح العلاقة معه وتشجيعه على ان يدرك وسط ‏مشاكله وانتكاساته، ان الأمر ليس تنافسا على مقود العجلة، بقدر ما هو بحث سريع عن “قيادة آمنة ‏متعقلة”. وفريق “شيعة ضد الحرب” مطالب بوضع رسالة أخرى للولايات المتحدة التي خسرت الكثير بعجزها ‏وسلبيتها، وهي بحاجة اليوم إلى ان تعيد بناء الثقة مع كل الإطراف العراقية إدراكا لشراكتنا الكبيرة ‏معها ومع العالم المتقدم، وإيمانا بأن الطرف الشيعي، مستندا لتفاهم عميق مع السنة والأكراد، يدرك ‏مسؤولياته الدولية والإقليمية. ان ما يجري ليس مناكدة بسبب مقود العجلة، بل أمل بأن نتعلم الدرس ونجهز فلسفة بديلة لحفظ تماسك ‏العراق على أساس حديث. والأمل ان يستوعب المالكي قبل خصومه، هذا المعنى الحاسم.‏

 

التعليقات

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *