قراءة في قصيدة (رسمتك) للشاعر السوري محمد الدمشقي

قراءة في قصيدة (رسمتك) للشاعر السوري محمد الدمشقي
آخر تحديث:

 بغداد/شبكة أخبار العراق- قصيدة النثر بصفاتها و مواصفاتها الحضارية و إبحارها في الحداثة منذ نشوئها تحمل معنى الرقي والتقدم وتمنح الشاعر الحرية في التعبير عن أفكاره وإحساسه, والقصيدة تبقى تحمل ثقافة الشاعر ولغته وأفكاره وتوهجه في اللحظة وفي أحيان كثيرة تطابق شخصيته فتكون هي الشاعر نفسه ويكون هو قصيدته فيصل الى ذروة المعنى الذي يبتغيه فالشاعر محمد الدمشقي يخرج الكلمات من واقعها المألوف و المعتادة عليه  الى واقع التجربة محافظا على إيقاعات الكلمات داخل الجمل وتأثيرها الصوتي بحسب الصور التي تعبر عنها،  والدمشقي يعي تماما أن طريق الشعر طويل و الوصول اليه غاية ليست يسيرة فهو يحاول دائما أن يجد ما هو جديد ليغني تجربته الشعرية فهو بالإضافة الى حسه المرهف وذائقته الشعرية وتقنيته العالية وتوافقه الذهني وخياله الجامح يحاول دائما ان يستفز اللغة ويشاكسها ليخلق مفرداته الخاصة به وأسلوبه المميز وهذا ما سنلاحظه من خلال قراءة قصيدته رسمتك وهي قصيدة مفعمة بحب الوطن رغم ان الوطن لا تحتويه قصيدة لكن قد تكون قصيدة هي الوطن وهنا أود ان اسأل هل القصيدة ما رآه الشاعر وفكر به و أحسه ثم الكلمات او المغامرة في اللغة لعلها تستجيب لما يبتغيه الشاعر وهل الكلمات هي استحضار للصور والمعاني ام هي حياة أخرى وعالم آخر نحياه ونتجول به ونعيش مع الكلمات التي تعبر عن ذاتها من خلالنا وقصيدة رسمتك عبارة عن تراجيديا و مأساة تملأ الأفق على مد البصر وطن يضيع خلف الدخان و ضباب قاتم أبناؤه يموتون جوعا ويموتون خوفا يقفون كالأشجار العارية في وجه الريح السوداء يلتحفون أيامهم يطاردهم الموت لكنهم يقاتلون دفاعا عن وطن اخضر حولته غربان الشر الى خراب وجوه صفراء تحمل الدمار كوصية للشيطان أينما حلت تنظر الى الوطن عبر مناظير الخراب و الشاعر الذي يسير في هذا الخراب يتشبث بنزيف تراب الوطن تصور حتى التراب ينزف لكن الوطن لا يغادر أحلامنا هي التي تغادر و آمالنا التي يطاردها الرصاص قذائف عمياء تتلمس طريقها نحو حياتنا و تتساقط صرخاتنا كجسد يتلقى طعنة غدر تتهاوى لتختلط بصرخات الوطن لتصبح صرخات بلا صوت و لا صدى لتدخل شمس الأصيل في ظلام  الليل وتتلاشى الملامح رسمتك
عندما غادرتني و أنا متشبث بنزف ترابك
من فوهة موت رأيتك
عبر مناظير الخراب
قاب قذيفتين و رعشة  
تطاردك رصاصة
نحن في زمن أسطورة الموت الذي يقف على أطرافه الخلفية لينقض على الحياة وها هو الوطن الذي تجسدت به أسطورة الحياة مطفأ العينين أنهكته الجراح النيران تلتهمه يتلمس اشلاء أبنائه يحاول ان ينهض من خلال الركام  فهل يستطيعون ان يشيعوك الى مثواك الأخير و أنت بلا جسد لان جسدك هم أبناؤك الذين بهم تحيا فلن تكون منازلك أضرحة ولا الزهور ولا السنابل و لن يختنق نداؤك في حنجرة الأيام وستكون كلماتك زهورا وسنابل سيكون لك المدى رغم راية العظمتين و الجمجمة وما تحمله من شر وهنا الشاعر يرمز الى رايات الشر التي تتستر بالاسلام لكن الاسلام منها بريء جيشوا كل جيوش الظلام و حشدوا كل الشياطين من اجل تدميرك يا وطني حاول ان  يعبروك نحو أضغاث جنتهم ولم يعبروك فقد سقطوا في ظنونهم وتمترسوا حول أحقادهم يعاونهم أشباههم  من الخونة وشذاذ الآفاق  
رأيت عينيك مطفأتين
و النار تلتهمك
تمد يديك 
لتلتقط المسامير و الأشلاء
و عظمتين و جمجمة
تسحبك الدماء
  يدثرك الركام
يخرجونك منك
يشيعونك نحو منفاك الأخير
دون جثمانك
المنازل أضرحة
السنابل أضرحة
الأزهار أضرحة
اختنق النداء
لا ضوء يعلو فوق أسراب الدخان
و يخاطب الشاعر وطنه المثخن بالفوضى والرايات رغم قهقهات الموت رغم الريح التي تعصف بالرماد رغم عويل المذبحة يا وطني يا صوتي المسلوب النازح دمعا مرسوما في عيون النازحين وهنا الدمشقي يجسد ذروة إبداعه فيصور الوطن دمعة في عيون النازحين دمعة هي خارطة الوطن دمعة في العين ودما ينزفه القلب ونشيج تغص به الحنجرة يا وطني يا حبي الأبدي لن تتلاشى ولن تذهب في الغياب وان حاولوا ان يرسموا حدود ضياعك فخذني ضياء أيها النسغ الصاعد في عروقي خذ عروقي وشروقي وتنفس فجرك الذي طال انتظاره لكن جل ما أخشاه ان نكون انا و أنت الغنيمة مهما كان المنتصر
أيا وطني المثخن بالفوضى والرايات
أيها النازح دمعاً
منذ أن رسموا حدود ضياعك
يا صوتي المسلوب
يا حرب حب بيني و بيني
خذني ضياءً غاب في سراديب اشتياقي
خذ كل هذا الموت و الحسرات
الوطن ليس كلمات و لا تراب الوطن نحن والشاعر محمد الدمشقي تحول في قصيدته الى وطن ان القدرة على فهم الشاعر محمد الدمشقي من خلال كلماته تعتمد على الحس المرهف للمتلقي  فكلماته لا تكون إلا نفسها تحيط بها الدهشة والذهول تصف الواقع بخيال ابداعي ان الكثافة في المعنى ليست الوحيدة التي تعطي الجمالية للقصيدة دون احساس المتلقي في هذا المعنى المكثف والتوهج في لحظة يحاول الشاعر ان يوصله للمتلقي وهذا ما أبدع به الشاعر محمد الدمشقي بحيث استطاع ان ينقلنا من خلال كلماته الى لحظة التوهج نفسها كأننا نحن الذين كتبنا القصيدة وهذه هي موهبة الشاعر الحقيقي والتي ينطلق منها والنص مفتوح على المتلقي وليس مغلقا على التسمية فهو يمنح نفسه للمتلقي ويمنحه خيالا واسعا ان يضيف ربما كلمات أخرى الشاعر محمد الدمشقي يخلق مسافات دلالية و إيحائية و تعبيرية من خلال رمزيته المرتبطة بالواقع واللحظة التي يحياها الشاعر مانحا النص عمقا من خلال القيمة والمضمون وجمالية النص 
رسمتك
عندما غادرتني و أنا متشبث بنزف ترابك
من فوهة موت رأيتك
عبر مناظير الخراب
قاب قذيفتين و رعشة 
تطاردك رصاصة
يعتريك خريف نبض
تتساقط .. طعنة طعنة 
و تغرق …تغرق في صرختك
رأيت عينيك مطفأتين
و النار تلتهمك
تمد يديك 
لتلتقط المسامير و الأشلاء

التعليقات

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *