قصة الكهرباء فـي العراق

قصة الكهرباء فـي العراق
آخر تحديث:

بقلم: أحمد صبري

لَمْ يَدُرْ بخلد مخترع الكهرباء توماس أديسون الذي أضاء عتمة كوكب الأرض بإنجازه العلمي أن تطفئ أنوار المصابيح الكهربائية في العراق مرَّتَيْنِ؛ الأولى في العام 1991 والثانية عام 2003م في محاولة لإعادة العراق إلى عصر ما قَبل الثَّورة الصِّناعيَّة، كما هدَّد وزير الخارجيَّة الأميركي الأسبق جيمس بيكر العراق في حينها، غير أنَّ سواعد العراقيِّين وإرادتهم في مواجهة غربان الظلام استطاعوا أن يُعيدوا إضاءة بلادهم بفترة قياسيَّة كرَدٍّ على محاولات إبقاء العراق في ظلام ذلك العصر الذي توقَّعه بيكر.

وعِنْدما يستعرض مؤلِّف كتاب (الكهرباء) أسرارًا من الصندوق الأسود المهندس سحبان فيصل محجوب، والذي صدر مؤخرًا، حيث تولَّى مسؤوليَّة إعادة تأهيل قِطاع الكهرباء مع نخبة من فرسانه، نستطيع القول إنَّ المهام التي نهض بها هؤلاء كانت بالأحوال كافَّة شِبْه انتحاريَّة في ظلِّ تواصل القصف الصاروخي والجوِّي الذي انهال على محطَّات توليد وإنتاج الطَّاقة في عموم العراق من غير أن تكسرَ إرادتهم وإصرارهم على إعادة نور الكهرباء للعراقيِّين.فالمؤلِّف لَمْ يتردَّد في فتْح الصندوق الأسود وكشْف أسراره، الذي عدَّها مسؤوليَّة وطنيَّة لاطلاع الأجيال عِنْدما نتوقَّف عِنْد محطَّات مضيئة في مَسيرة هذا القِطاع وما تحمَّله من أعباء كلَّفت حياة الكثير من العاملين فيه بموقف سيبقى في ذاكرة العراقيِّين.

فكتاب الكهرباء(أسرار من الصندوق الأسود) يحكي قصة طليعة مقدامة وباسلة وشجاعة ومضحِّية من العاملين في قِطاع الكهرباء نهضت بدَوْرها متحدِّية مَن حاول إطفاء شعلة العراق لِيبقَى متخلِّفًا ويعيشَ في الظلام. وتنبع أهمِّية الكتاب من كونه سلَّط الضوء على الشعار الذي رفعه رجال المنظومة الكهربائيَّة (ما دمَّره الأشرار يعمره الأخيار) وتحوَّل هذا الشعار إلى حافز لمواصلة التحدِّي للعاملين في قِطاعات البنى التحتيَّة التي طاولتها الحروب على العراق، حيث سطَّر هؤلاء أنصع الصفحات المشرِقة في إعادة بناء وتأهيل بلادهم رغم الظروف الصعبة التي كانت تحاول إبقاء العراق متخلِّفًا وغير قادر على النهوض.. نعم دمَّروا منظومة الكهرباء لكنَّهم لَمْ ينالوا من إرادتهم.

وشغل مؤلِّف الكتاب المهندس سحبان فيصل محجوب عدَّة مواقع قياديَّة في قِطاع الكهرباء آخرها مسؤوليَّته عن كهرباء العاصمة بغداد، وترك بصمة في إنجازاتها، لا سِيَّما بالتعاقد مع أهمِّ شركات الكهرباء والطَّاقة بالعالَم.والصندوق الأسود ملف صاعق ومكهرب ـ كما يقول المؤلِّف ـ وكُلُّ مَن يقترب مِنْه ويحاول فكَّ شفراته يُصعق بالكهرباء، لذلك بنى العراق جدارًا وحاجزًا ومنظومة وطنيَّة أمام مَن يحاول فكَّ أسراره ويعبث به عَبْرَ نظام غير قابل للاختراق من قِبل شركات همُّها الربح على حساب الجودة والقوَّة والأداء.وحاول المؤلِّف أن يقارنَ بَيْنَ حال الكهرباء اليوم وأمس بالتأكيد على أنَّ هذا الملف أخذ من موازنات العراق منذ احتلاله وحتَّى الآن ما يزيد على (800 مليار دولار) دُونَ أن يرى العراقيون النُّور المستقرَّ في بيوتهم على مدى السنوات الماضية، فتحوَّل هذا القِطاع إلى مناسبة للعبثِ فيه من قِبل حيتان الفساد الذين حوَّلوا العراق إلى ساحة للصراع، والخاسر الأكبر هُم العراقيون.ويخلص المؤلِّف إلى القول: مُشْكلة الكهرباء في العراق مُشْكلة نظام سياسي غير قادر على حماية ثروة العراق من اللصوص ومُبدِّدي المال العامِّ، والكهرباء منظومة لا تعمل إلَّا بوجود نظام مستقرٍّ وقادر على حماية أموال العراقيِّين وتكريسها لسعادتهم.

التعليقات

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *