يروى أن أحد السجناء في عصر لويس الرابع عشر كان محكوما عليه بالإعدام، وكان مسجونا في جناح القلعة ولم يتبق على موعد إعدامه سوى ليلة واحدة. وفي تلك الليلة فوجئ السجين بباب الزنزانة يفتح، فإذا بلويس يدخل عليه مع حرسه ليقول له:
“أعطيك فرصة إن نجحت في استغلالها فبإمكانك أن تنجو، هناك مخرج موجود في زنزانتك دون حراسة، إن تمكنت من العثور عليه يمكنك الخروج وتكون حرا طليقا، وإن لم تتمكن فإن الحراس سيأتون غدا مع شروق الشمس يأخذونك لتنفيذ حكم الإعدام”.
غادر الحراس الزنزانة يتقدمهم لويس الرابع عشر، بعد أن فكوا سلاسل السجين. وبدأت المحاولات، وراح الأخير يفتش في زوايا الجناح الذي سجن فيه، ولاح له الأمل عندما اكتشف غطاء فتحة مغطاة بسجادة بالية على الأرض، وما إن فتحها حتى وجدها تؤدي إلى سلم ينزل إلى سرداب سفلي، يليه درج آخر يصعد مرة أخرى، وظل يصعد إلى أن بدأ يحس بتسلل نسيم الهواء الخارجي، ما بث في نفسه الأمل، إلى أن وجد نفسه في النهاية في برج القلعة الشاهق، والأرض لا يكاد يراها، ضرب بقدمه الحائط وإذا بالحجر الذي يضع عليه قدمه يتزحزح، فقفز وبدأ يعالج الحجر، فوجد أن بالإمكان تحريكه، وما إن أزاحه فإذا به يجد سردابا ضيقا، فبدأ يزحف ويزحف الى ان سمع صوت خرير مياه، فأحس بنشوة الحرية، لعلمه إن القلعة تطل على نهر، وفي النهاية وجد نافذة مغلقة بالحديد، أمكنه أن يرى النهر من خلالها. وظل طوال الليل يلهث في محاولات كسر النافذة ولكن، دون جدوى، وبين الأمل واليأس يجدد محاولاته بما يمتلك من قوة، إلا أن النهاية كانت تبوء بالفشل.
وأخيرا، انقضت ليلة السجين، ولاحت له الشمس من خلال النافذة، وفجأة رأى وجه الإمبراطور يطل عليه منها ويقول له:
أراك مازلت هنا!.
قال السجين: كنت أتوقع أنك صادق معي أيها الإمبراطور
قال الإمبراطور: لقد كنت صادقا.
سأله السجين: لم أترك بقعة في الزنزانة لم أحاول فيها، فأين المخرج؟
قال الإمبراطور: لقد كان باب الزنزانة مفتوحا!.
دأب برلماننا منذ ولادته -كما هو معلوم- متلكئا في سن القوانين وإقرارها تحت سقف زمني معقول او نصف معقول أو حتى عشر معقول، إذ يدخل مشروع القرار بوابة مجلس النواب ليصطف في طابور أفعواني، مع سابقاته من مشاريع القرارات المصيرية، والتي بدورها قلبتها القراءات بين أولى وثانية وثالثة وعاشرة، وكذلك التأجيلات بين فصل تشريعي وثانٍ وثالث، ومع هذا العزف والتقافز على أوتار الزمن، والتمييع والتباطؤ بإقرار القوانين، والخديعة والتضاحك على ذقون المواطنين، يخنع الأخيرون -أغلبهم- تحت وطأة اللاحول واللاقوة إلا بالصبر والتجمل. وقد يكون هذا المصير الذي أطبق على حاضرنا بإحكام -ولاشك أنه مطبق بإحكام أيضا على مستقبلنا- وليد خطأ جوهري ما فتئنا نقترفه كل أربعة أعوام، ففي كل مرة تكرر نسخة طبق الأصل من خطأ سبقه بأربعة مثلها، والأخير بدوره نسخة مكررة من سابق له بمثلها، ولما كان المؤمن لايلدغ من جحر مرتين، فها نحن قد لدغنا من الجحر ذاته مرارا وتكرارا، وبسبق إصرار منقطع النظير، ندفع ثمنه جميعنا أضعافا مضاعفة، ولعلي أقارب الوصف إن استشهدت في هذا ببيت الدارمي:
عالعگرب اتعنيت بيدي لزمتهه
حيل وبعد وياي هاي الردتهه
الحل بعد هذي التداعيات والمضاعفات التي جرنا اليها خطؤنا الأول، يكمن في قطع رأس الأفعى، وبغير هذا العمل سيستمر اللدغ مرات ومرات، فهل علم الناخب كل أربع سنوات أن رأس الأفعى هذا بمتناول يديه، وقريب جدا من نعله، وبدعسة بسيطة بإمكانه قلب الموازين لصالحه؟ ويكفيه نكوصا وانزلاقا الى هاوية سحيقة لن تقوم له ولبلده قائمة بعدها.