آخر تحديث:
بقلم / اسعد عبدالله عبدعلي
فجرت النائبة عالية نصيف قنبلة كبيرة, بتصريحاتها حول فساد فضيع لا يجري الا في بلد يغرق بالإهمال والفوضى, وتموت فيه كل الأجهزة الرقابية, فتتعطل كل وسائل الردع, ودليلاُ دامغا على فساد الطبقة الحاكمة التي تشرع الفساد, لا نعلم متى نتخلص أو حتى لنقل نحد من هذا الوحش المفترس, الذي ينهش بجسد العراق ولا يتركه يتعافى, وقد قيل أن العدل قد مات في العراق, منذ أن صعد لكرسي الحكم العفالقة وتبعهم اللصوص وشواذ.
صرحت عالية نصيف للإعلام بأنها: طالبت القائد العام للقوات المسلحة وهيئة النزاهة والمفتش العام في وزارة الدفاع بالتحقيق في قضية تخصيص مبلغ 60 مليون دولار لصيانة الطائرات (L159) التشيكية, وقالت نصيف: تم تخصيص 60 مليون دولار, للدعم اللوجستي وصيانة الطائرات, من نوع (L159) التشيكية بضغط من قائد القوة الجوية بحجة وجود حاجة ماسة لصيانتها، مبينة: أن هذا العقد تدور حوله الكثير من شبهات الفساد وفيه هدر كبير للمال العام، علماً بأن مدير الشركة لديه علاقة مباشرة مع قائد القوة الجوية !وأوضحت نصيف: أن مبلغ العقد مرتفع جداً، فالكلفة الحقيقية بحسب الخبراء في هذا المجال لا تتجاوز ٢٥ مليون دولار.
والسؤال الكبير هنا ماذا ستفعل الحكومة بعد تصريحات “نصيف”؟ وهل ستصحو الأجهزة الرقابية من نومتها بعد أن فضحت نصيف ما كان مسكوت عنه؟
-
تخصيصات لأجل الفساد فقط
بعد أن يتم جمع أموال بيع النفط, تعمل الطبقة الحاكمة على توزيع هذه الأموال على أبواب الصرف, فتتحول الأموال الى تخصيصات, ليتم صرفها تحت مظلة المؤسسات الحكومية, ولو كانت الحكومة نزيهة لكانت اهتمت في واقعية المبالغ التي يتم رصدها, بدل تخصيص مبالغ بأرقام خرافية ولا تنتمي للمنطق, فقط كي يتم تفريغ الخزينة من الأموال, وهذا ما جعل العراق يخسر أموال النفط خلال العقد الأخير.
القضية التي طرحتها عالية نصيف تثير الحزن, فالسلطة التنفيذية والتشريعية هما المتهمان, لأنهما شريكان في تفعيل التخصيصات, فمهمة السلطة التنفيذية هو رفع وثيقة بالتخصيصات للبرلمان, وعلى البرلمان مناقشتها ثم أقررها ضمن قانون الموازنة العام, فتعود للسلطة التنفيذية لكي تنفذ قانون الموازنة, وهكذا تتكشف لنا من المسؤول عن وضع تخصيصات بأرقام فلكية ويتم هدرها سنويا,أنها الطبقة الحاكمة وحلف الأحزاب, ولن ينصلح الحال الا بإقصائهم جميعا.
-
البرلمان الميت
مهمة البرلمان كبيرة, وتتمثل في حماية مؤسسات الدولة من الفساد, ومراقبة أداء السلطة التنفيذية, والوقوف بوجه الفساد, وتسخير أموال الدولة ومؤسساتها لخدمة الشعب والوطن, هذا ما كان مفروضا أن يقوم به البرلمان, لكن منذ عام 2006 والبرلمان يفعل كل قبيح فيهتم بسن قوانين تخدمه فقط, مثل رواتب ظالمه لأعضائه, ويهمل الجرائم التي تحصل بعنوان التخصيصات, فيمررها مقابل السكوت عن القوانين التي يسنها لأعضائه والتي جعلت منهم طبقة برجوازية عفنة, دمرت البلد وأضاعت أحلام العراقيين.
قضية عالية نصيف نقطة في بحر واسعة من الفساد, الذي كان سلوك الطبقة السياسية من دون توقف والى ألان, كل الأحزاب وكل الساسة مستفيده من التخصيصات, عبر عمليات قرصنة منظمة على المال العراقي, بعنوان صرف الأموال ضمن أبوابها المخصصة, ومع كمية المال المهدور الكبيرة جدا, لم يتحقق شيء كبير للعراقيين, في مجالات الحياة( السكن, البطالة, الصحة, التعليم, الخدمات) حيث ضاعت الأموال فقط أصاب الطبقة الحاكمة التخمة من الأموال والعقارات والأرصدة والشركات.
-
موت النزاهة وديوان الرقابة والمفتش العام
كنا نعول كثيرا على أجهزتنا الرقابية الكثيرة في الحد من الفساد, خصوصا أنها تملك الحق القانوني في المتابعة والتفتيش, لكن يبدو أنه حتى أجهزتنا الرقابية مصابة بداء الفساد, وألا لماذا تعطل دورها؟ ولماذا لا تقوم بمنع استمرار الفساد, وهي تملك الأدلة على الفساد, بسبب امتلاكها للجداول الشهرية والسنوية, والميزانيات الختامية, لكننا نعيش في عهد مظلم لا يمكن للنور أن يشع.
من صميم عمل ديوان الرقابة أن تحلل ما يصلها من تقارير مالية, وتؤشر الخلل, فهل من الممكن أن يغيب عن عباقرة المحاسبة المالية فساد مبالغ التخصيصات؟ هل يمكن اعتباره جهلا بأعلى سلطة محاسبية في العراق؟ أم سكوتا عن الخلل, لأنهم تحولوا الى جزء من كيان الفساد الذي يلتهم الدولة؟ هكذا يتم تفسير الأمر.
لو كان لنا جهاز محاسبي مالي عتيد, لأدرك عدم الجدوى من شراء طائرات تمثل صيانتها مبلغ كبير جدا, أي أن شرائها خسارة مستقبلية, وأوقفها بحسب القانون وبحسب الصلاحيات الممنوحة.
من يقف بوجه وحش الفساد
الفساد في تخصيصات صيانة الطائرات التشيكية لو يتم تعقبه, عبر جهاز محاسبي رقابي عالي الخبرة ومحمي, لامكن له الإطاحة بالحكومة وبأحزاب كبيرة بل وجهات خارجية, فهي حلقة صغيرة ضمن سلسلة حلقات متصلة تسببت بسرقة المال العراقي, لكن هذا الفرض مستحيل فهل يعقل أن يحاسب اللص نفسه؟ بالتأكيد لا, أي أننا أمام طريق مسدود, فالخلاص من الفساد يعني أن نتخلص من الطبقة الحاكمة, وهذا ما يعتبر اليوم مستحيلا, بسبب سيطرة الطبقة الحاكمة على الحياة في العراق عبر وسائل متعددة, مما يجعلنا متيقنون أن فضيحة تخصيصات صيانة الطائرات التشيكية سيتم السكوت عنها.