ابراهيم الزبيدي
لابد من القول مقدما إن جميع كتاباتنا عن الحكم الشيعي الحالي في العراق، أو عن السياسيين السنة المتحاصصين معهم، سواء منهم سنة إيران أو سنة (المقاومة) وداعش، لا تعني ولا تمس، مطلقا وأبدأ، لا الطائفة الشيعة ولا السنية، بأي حال من الأحوال.
فالطائفة الشيعية مختطفة، وكذلك السنية، سواء بسواء. هذه من قبل أشقياء قطاع طرق تربوا في الشوارع والمآتم والزوايا والمدارس الدينية المتخلفة والحسينيات الغارقة في الحقد والغدر والإرهاب، وتلك من قبل حفنة من المهربين والمقامرين والانتهازيين الذين امتهنوا القبض ممن يدفع، حتى لو كان الشيطان نفسه.
وهؤلاء وأؤلئك سرقوا الوطن الوطن واقتسموا لحمه وعظمه، وجعلوه دولة فاشلة لا يحترم حكومتها ولا شعبَها أحدٌ من العالمين.
* دولة فاشلة. يتحدث رئيس جمهوريتها ونائبُه ورئيسُ وزرائها ونوابُه عن المصالحة الوطنية التي يكرهونها ويخافون من وجودها، وهم يعلمون بأنها مستحيلة، ما دامت إيران وأمريكا وتركيا والسعودية والإمارات والأردن والبحرين والكويت وسوريا ولبنان، تستثني أطرافها الحقيقية، وتجعلها كرة من طين يتراكلها المتشدقون والمنافقون نيابة عن أهل المصالحة الحقيقيين المُغيبين.
* حكومتها أنفقت 145 مليار دولار على شراء الأسلحة، ثم هربت جيوشُها تاركة وراءها تلك الأسلحة لداعش. وها هي تستجدي السلاح، اليوم، من أمريكا ومن إيران.
* حكومتها تلغي حدودها مع إيران، ليدخل الإيراني وكأنه داخل إلى غرفة نومه، وتمنع مواطنيها العراقيين الهاربين من سكاكين داعش من دخول عاصمتهم إلا بكفيل.
* حكومتها تمنع المواطن المولود في إحدى المحافظات السنية الست، من بيع أو شراء أو تسجيل أي عقار في العاصمة. حتى وإن كان قد غادر مسقط رأسه قبل نصف قرن وسكن بغداد. تماما كما فعل قبلها النظام المتهم بالطائفية والديكتاتورية والفساد.
* ثلاثة ملايين من مواطنيها نازحون داخليا، وفق آخر بيانات بعثة الامم المتحدة في العراق، منذ كانون الثاني (يناير) عام 2014 وحتى 4 حزيران (يونيو) 2015.
* وملايين أخرى هاربة إلى دول الجوار. ومثلها تغرق في المحيطات بحثا عن ملاذ.
* كواتم وخناجر الليل تلاحق العلماء والمفكرين والأطباء والمبدعين والصحفيين.
* دولة خزينتها خاوية، ورئيس برلمانها ورئيس وزرائها يدوران على أبواب الدول المحسنة باحثين عن حسنات ومكرمات وتبرعات.
* وصعلوكٌ من وزن قيس الخزعلي يتطاول على رئيس وزرائه ويتحداه ولا يجرؤ أحد في الدولة كلها على زجره وجره مخفورا وعلى الفور.
* وواحدٌ كهادي العامري يسخر، بقلة ذوق وقلة تهذيب، من رئيس جمهوريته ورئيس وزرائه ويعلن أن الحشد الشعبي فوق كل رئيس وكل حكومة، ويخرس الجميع، ويطاع. ثم يصف نائب رئيس وزرائه بأنه (مُطي) فلا يعترض ولا يستقيل.
* نواب رئيس جمهوريتها الثلاثة هم نوري المالكي وأسامة النجيفي وأياد علاوي، كلٌ مكلفٌ بخدمة دولة غير دولته، وحكومة غير حكومته، وسفارة من سفارات الدفع الرباعي. ورئيس جمهوريتها له ثلاثة رؤساء يأتمر بما يصدعون، رئيس حزبه، ورئيس إقليمه، والولي الفقيه حليف رئيسه.
* وزير خارجيتها، طبيب الأطفال الذي لم يمارس مهنته، حكواتي يتجنبه الأشقى الذي يصلى النار الكبرى. ومن ألف كلمة من أي خطابٍ من خطاباته على شاشة فضائيته الباهرة لا تفهم أكثر من عشر كلمات. وحين يخاطب الدول الأخرى يستعير لغة وزير خاجيته (الأعلى) محمد جواد ظريف. يغضب حين تغضب إيران، ويرضى حين ترضى.
* وطبيب أطفال آخر عمل ثماني سنوات مستشارا للأمن القومي العراقي، وهو لا ناقة له في الأمن القومي ولا جمل، يطالب بإعدام العشرات الذين حكم عليهم قضاء حزب الدعوة العادل غير المسيس وغير الطائفي وغير الملغم بأحقاد وثارات طائفية سقيمة عقيمة أضحكت بها العالم على جهلنا وقلة عقولنها.
* دولة تعشش فيها المافيات والشلل والعصابات. كل وزارة لزعيم، وكل مؤسة لحزب.
* شبكات اختلاسية بسطجت أذرعها الاخطبوطية على كل مصرف وشركة ومكتب صرف، حتى أفرغت خزينة الدولة من ملياراتها، وأنزلت الدينار العراقي إلى أسفل سافلين.
* دولة يتبختر في شوارعها ومؤسساتها مسلحون يضعون صورة الولي الفقيه على صدورهم، أو جباههم، ولا يستحون.
هؤلاء هم شيعة السلطة. أما سُنتها فأربعة:
* قطيع الحكومة وإيران. قبض من نوري المالكي، ويقبض اليوم من حيدر العبادي، ويدعو لقاسم سليماني بالعمر الطويل، ويطلب، بإلحاح، دخول الحشد الشعبي إلى مدن الأنبار، لتحريرها من داعش، وحرق منازلها بعد نهبها، وتلطيخ جدرانها بالشعارات الفارسية، كما حدث في تكريت.
* وفريق آخر مع السعودية وقطر والكويت والإمارات والأردن وتركيا. يعيش على العطايا والهدايا والصدقات.
* والثالث انتهازي يركع لمن يدفع. فمرة يحارب دفاعا عن أمريكا، ومرة يقتل جنودها، وتارة مع إيران وتارة أخرى ضدها. وأبناؤه في اسطانبول يستظلون بعباءة السلطان أردوغان.
* أما الرابع فلا يهش ولا ينش، يجلس في وزارته بصمت محافظا على رزقه ورزق عياله من العمولات والمناقصات والصفقات، مستعينا على قضاء حوائجه بالكتمان.
* أما الجمهرة الواسعة من العراقيين، من جميع الطوائف والقوميات والأديان، فصم بكم عمي لا يفقهون. يقتلون لهم أبناءهم ويصمتون. ويَسبُون نساءهم ويسكتون. يسرقون أموالهم ولا يشتكون. يدوسون على رقابهم ولا ثأرون ولا يستيقظون. جبنا أو جهالة، أو طمعا في ستر، أو خوفا من فضيحة.
* دولة لا يحاكم فيها سارق، حتى لو سرق أموال قارون. فإن كان شيعيا فسوف يحميه نواب طائفته الشيعة، حتى وهم خارج البرلمان يأكل بعضهم لحم بعض. وإن كان سنيا فسوف يحميه نواب طائفته السنة، ويجعلون من اتهامه بالختلا قضية وطنية كبرى، وعدوانا على الطائفة كلها. حتى وهم يتذابحون خارج البرلمان.
* لا يُسأل قائد قواتها المسلحة العام عن سر هروب جيوشه العارمة من الموصل، وتسليم سلاحها ومعداتها هدية لداعش. فعلى رأسه ريشة. والطاووس الحاكم في طهران هو الذي يقول من يحاكم ومن لا يحاكم، من يقعد ومن يقوم والويل الويل لمن يعترض، وألف متمرس في الاغتيال ينتظر أوامر السيد المطاع.
* دولة يطلب رئيس وزرائها الحماية والنجدة من مليشيات وعصابات أسماها بالحشد الشعبي، ويكسر هيبة جيشه، ولا يستحي. وينفق على تسليحها وتدريبها، ويدفع رواتب رؤسائها ومرؤسيها من الأموال المستدانة، وهو يعلم بأنها تشوي خصومها وهم أحياء.
* دولة ترسم سياستها وعلاقتها الداخلية والخارجية مرجعيات طائفية، شيعية وسنية، تفتي وعلى الحكومة أن تحول فتاواها إلى أنظمة وقوانين.
* داعش في نينوى وصلاح الدين وفي الأنبار يسوم أهلها سوء العذاب، ويفرض عليهم مفاهيم ومقاييس همجية سخيفة متعفنة، ويذبح رجالهم بالسكاكين، ويسبي نساءهم،
وأبطال التحرير في المنطقة الخضراء في غيهم يعمهون، وفيما بينهم مختلفون. هل يدخل الحشد الشعبي إلى المدن المحتلة أم لا يدخل؟، وتلسيح العشائريين السنة لتحرير مناطقهم من داعش بأسلحة من أمريكا أم إيران؟، ومن يدفع؟ وكم؟ ولمن؟ ومتى؟.
* شلة من الانتهازيين والمنافقين والمختلسين سرقت الوطن، وأخرست أهله بقوة السلاح والمال. فما الحل؟؟
* بصراحة إن الأمل ضعيف في ثورة شعبية حقيقية تغسل هذا الوطن من أدرانه، وتعيده وطنا حرا، سعيدا، آمنا، كما كان. فالذين استحوا ماتوا، أو هربوا، أو استسلموا لحكم القويِّ المدجج بالمال والسلاح وبقلة العقل وفساد الذوق وسوء الخلق وموت الضمير.