كذب إيراني بملابس رسمية

كذب إيراني بملابس رسمية
آخر تحديث:

 بقلم:ابراهيم الزبيدي

لو كان الذي يكذب موظفا صغيرا في وزارة أو في سفارة أو تجارة لكان ممكنا أن نصفح عنه، ونقيد جريمته ضد مجهول.ولكن المسألة تكون غير قابلة للطي حين يكون الكاذب من وزن علي أكبر ولايتي، مستشار المرشد الأعلى الإيراني للشؤون الدولية، وذلك لأنه كذب بصفته الوظيفية، وبملابسه الرسمية، وبلسان رئيسه، بل بلسان الجمهورية الإسلامية الإيرانية، كلها، بشحمها ولحمها وجيوشها وحرسها الثوري ومخابراتها وأعوانها ووكلائها في الدول التي تجثم على صدور شعوبها.

فقد أعلن خلال حديثه في نادي فالداي بموسكو أن “حكومة الرئيس بشار الأسد كانت ستسقط خلال أسابيع لولا مساعدة إيران”، و”لو لم تكن إيران موجودة لكانت سوريا والعراق تحت سيطرة أبو بكر البغدادي.”وتعلمون أن الكذب على الأحياء، وليس على الأموات، فيه الكثير من الوقاحة والقليل من الذكاء.

فالزمن الذي مر على الغزو الأمريكي للعراق في 2003، وعلى إقدام حكومة الولايات المتحدة الأمريكية على إهداء نظام الولي الفقيه فرصةَ احتلال الوطنَ الذي دوخه ثماني سنوات، وعجز عن تركيعه في طول تلك الحرب الضروس وعرضها، لم يَبلغ، بعدُ، مئاتٍ من السنين، أو آلافها، ليكون الذين عاصروا أحداث تلك الأيام السود قد ماتوا وغاب معهم الكثيرُ من ذكرياتها وآلامها وأحزانها ليصبح ممكنا أن يُصدق البعض من أحفادهم الوارثين ما يقوله المستشار.

والحقيقة التي لا يُنكرها إلا مغرض أو جاهل أو مغرَّر به هي أن نظام الولي الفقيه،نفسَه، بهيمنته على العراق وعلى سوريا، وبأساليبه القمعية العدوانية الدموية التي انتهجها لفرض احتلاله بقوة سلاحه وسلاح مليشياته العراقية واللبنانية والسورية كان الدافع الأول والمحرك الأهم لجريمة تسلل عناصر القاعدة إلى العراق، مستغلة ظروف نقمة سكان المحافظات السنية على الهيمنة الإيرانية على البلاد والعباد.

فأبو مصعب الزرقاوي لم يظهر إلا في ظل الاحتلال الإيراني، وإلا لقتاله، وفي عهد وكيله المتعصب المتطرف المتخلف نوري المالكي الذي هيأ البيئة الملائمة لولادة مليشيات سنية متطرفة لردع مليشيات شيعية متطرفة، تحت شعار الدفاع عن الطائفة السنية، وحماية أبنائها من ظلم الإيرانيين ووكلائهم.

ومن الأمور الثابتة، تاريخيا، أن داعش لم ترث عصابات الزرقاوي، ولم تصبح  ما صار يُعرف بـ (داعش) إلا في مخيمات الاعتصامات السنية في الرمادي والفلوجة، وبالتحديد في ولاية نوري المالكي الثانية.ولتنشيط ذاكرة ولايتي نعيد عليه ما كانت الاعتصامات تطالب به. اطلاق سراح المعتقلين والمعتقلات في سجون الحكومة، ووقف نهج المالكي الطائفي،  وإلغاء المادة 4 ارهاب وقانون المساءلة والعدالة من الدستور العراقي.وبسبب إهمال الحكومة لتلك المطالب، واتهامها لأصحابها بالصدامية والوهابية والإخوانية والأمريكية والصهيونية رفع المعتصمون سقفها وصاروا ينادون بإسقاط النظام الطائفي، ووقف التدخل الإيراني في شؤون العراق.

وفي حملة فض اعتصام الأنبار في  30 كانون الثاني/ يناير 2013 التي أقدمت خلالهاقوات المالكي على تمزيق الخيم، ومهاجة المعتصمين بالعصي والهراوات والرصاص الحي قُتل 10 أشخاص، واعتُقل عضو مجلس النواب أحمد العلواني، واغتيل شقيقه علي العلواني ومُثل بجثته، بأوامر مباشرة من رئيس الوزراء.

وهنا نأتي إلى العصب الحساس في المسألة. فقد صار طبيعيا ومتوقعا أن يحتمي المعتصمون وأبناءُ عشائر الأنبار بالمسلحين من بقايا تنظيم الزرقاوي ويحتضنوهم من أجل مؤازرتهم وردع جيش الحكومة ومليشياتها.وكانت تلك هي الفرصة الذهبية لأبي بكر البغدادي ليوسع تنظيمه ويسلحه، ويتخلى عن اسم القاعدة الذي كان الزرقاوي قد أطلقه على تنظيمه، ليولد تنظيمٌ جديد باسم(الدولة الإسلامية في العراق والشام) وهو ما عرف بـداعش.ويبدو أن ولايتي ينسى أو يتناسى أن حكومة نوري المالكي أطلقت سراح أهم قادة القاعدة، وسهلت عبورهم إلى سوريا، باعتراف وزير العدل، ليعلنوا عن تأسيس فرع جديد لداعش في سوريا.ومن الحقائق التي أهملها ولايتي أيضا أن نظام بشار أسد أطلق من سجونه، هو الآخر أيضا، سراح عدد آخر من أخطر عناصر القاعدة، وسهل انتقالهم إلى الرقة، ليعلن أبو بكر البغدادي ضمَّ تنظيمه العراقي إلى التنظيم السوري لتبدأ حلقات مسلسل داعش الذي اتخد منه النظام الأيراني وحزبُ الله اللبناني وشبيحة بشار الأسد ذريعةً للفتك بالانتفاضة السورية، بحجة أنها إرهابية متضامنة ومتحالفة مع عصابات البغدادي، ومع القاعدة التي أصبح اسمها جبهة النصرة، بعد ذلك.

ومعروف ما تبع ذلك من تآمر حكومة نوري المالكي مع النظام الإيراني لتسهيل احتلال الموصل وصلاح الدين وأجزاء أخرى من العراق وسوريا، للانتقام من المعارضين السنة، ولتأسيس الحشد الشعبي، وإنفاق المليارات من الدولارات تحت ذريعة تحرير الموصل،واجتثاث داعش، ومقاتلة الإرهاب والإرهابيين.

وكان على ولايتي، لو كان يحترم نفسه وجمهوريته، أن يقول الحقيقة التي يعرفها حتىأطفال المدارس الإبتدائية والمبتدئون في ألاعيب السياسة ووساخاتها، وهي أن أبو بكر البغدادي لم يكن موجودا عند اندلاع الانتفاضة السورية في شباط/فبراير 2011، وأن النظام الإيراني، يومها، كان هو داعش الشيعي الذي شارك شبيحة النظام السوري في قتل أكثر ما يمكن قتلهم من المتفضين الذين كانوا يطالبون بعدم تدخل النظام الإيراني في الشؤون السورية الداخلية. بعبارة أخرى. إن السياسات الإيرانية الطائفية المتطرفة الدموية هي أهم دوافع ظهور أبي بكر البغدادي، بعد ذلك، بأكثر من عام، ومن أول اندلاع الانتفاضة في شباط/فبراير 2011.

وحتى ظهور البغدادي كانت المسيرات والتظاهرات سلمية لم يحمل فيها متظاهر واحد سلاحا حتى لو كان لصيد العصافير، برغم أن النظام السوري، ومعه حزب الله اللبناني وضباط الحرس الثوري الإيراني، كان يقابل هؤلاء المتظاهرين العزل الذين يصفهم ولايتي بأنهم إرهابيون بالرصاص وقنابل الدبابات والطائرات والمدفعية الثقيلة، دون تمييز بين كبير وصغير.

ومن أكاذيبه الملحقة بكذبة أبي بكر البغدادي قولـُه إن تواجد “إيرانيين في كل من سوريا والعراق هو استشاري، وفي حال طلبت الدولتان من إيران الخروج فستخرج على الفور.”وهو يعرف ونحن نعرف والعالم كله يعرف أن الحكومتين العراقية والسورية لن تطلب ذلك، إلا إذا جاء الطلب من إسرائيل أو روسيا أو أمريكا، لا غير.

وقولـُه أيضا: إن “سوريا والعراق لم تكونا قادرتين وحدهما على مواجهة الإرهاب المتوسع في دولتهما لذا فقد طلبتا من الإيرانيين العون وساعدناهم لمدة أربع سنوات“.ترى هل من المعقول أن يكون ولايتي لم يسمع كبار قادة نظام وليه الفقيه، من وقت لآخر، وهم يباهون ويفاخرون بتدخلهم في شؤون الشعوب الأخرى ويعلنون أنهم نقلوا ساحات القتال مع العدو إلى مسافات بعيدة، واصفين  العراق و لبنان و سوريا بالخطوط الأمامية لحرب  إيران مع أعدائها؟.

التعليقات

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *