كفى يا أبا إسراء .. آذيتنا والله ونفد صبرنا بقلم ضياء الشكرجي

كفى يا أبا إسراء .. آذيتنا والله ونفد صبرنا بقلم ضياء الشكرجي
آخر تحديث:

عزيزي الحاج أبا إسراء .. بالله عليك كفاك استهانة بالزمن، وإصرارا على ما رأيت بجلاء استحالة تحققه. على الأرجح لن تتجدد لك ولاية اخرى لرئاسة الوزراء. فلم كل هذا الإصرار؟ أنت تعلم جيدا وأحسن مني بأن التحالف الوطني حيلة دستورية غير دستورية، كما كان الحوزويون الذين لم تكن تحب حيلهم كما لم نكن نحبها نحن الذين كنا ننسب أنفسنا لعقلاء المتدينين، عندما كنت داعية معكم، فكثيرا ما كنا نشهد كيف تمرر هنا أو هناك حيلة شرعية، هي في حقيقة الأمر غير شرعية، إذ إن شرعيتها صورية محضة، وتعلم إن من عقلاء المراجع من كان ينفرد بعدم عدّ العقود الصورية شرعية، ولا يحبذ الحيل والمخارج الشرعية، لأنها التفاف على الحكم الشرعي، واحتيال على الله، من حيث يشعر من يزاوله أو من حيث لا يشعر، وهكذا الحيل والمخارج الدستورية التي ألفتم أنتم السياسيين (المتشرعة)، أي المتدينين، أو لنقل – بالمصطلح السياسي – الإسلاميين، فكثير من العقلاء والصادقين والمعتدلين من المتدينين تجدهم علمانيين ضمن رؤية شرعية معتبرة.
لننظر إلى كل الاحتمالات لمبررات إصرارك على تجديد الولاية، وأبدأ بما ينطلق من حسن الظن، ثم أتحول غلى الاحتمالات الأخرى، التي هي ما دون حسن النوايا، أجارك الله.
1. نفترض أنك تصر على مواصلة دورك، لأنك تعتقد بأن العراق في هذه المرحلة الحساسة أحوج ما يكون إليك أنت بالذات، وسوف يضيع هذا العراق المسكين، لو آلت إدارة العملية السياسية إلى غيرك، فليست للسفينة ربان غيرك، ومن غير ربان ستغرق السفينة – وهل السفينة إلا العراق – لا قدر الله. هذا حرص جميل على العراق، وخوف مشكور على مستقبله، يحسب لصاحبه، وبالتالي يحسب لك. لكن يا أبا إسراء أليست هذه طريقة سلفك في التفكير، حيث كان – وربما ما زال – يعتقد أنه فلتة، وممن يندر التاريخ أن ينجب مثله. صدقني هذا وهم، وهو «كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئا ووجد اللَّه عنده فوفاه حسابه والله سرِيع الحساب»، والذين يوحون لك بهذه الفكرة، أو يؤيدونك عليها ليسوا صادقين معك، كما كان الصنميون والمتملقون غير صادقين مع سلفك.
2. الفرضية الثانية هي إنك تصر على بقائك رئيسا للوزراء انتصارا لحزبك، حزب الدعوة الإسلامية، لكي تبقى زمام الأمور بيد هذا الحزب، لأنه استحق ذلك لما قدمه من قوافل الشهداء، وما ضجت جدران السجون بصرخات المعذبين في زنزاناتها من أبنائه. لكن هل إن حزب الدعوة أهم من العراق؟ وهل الحزب الذي يقدم الشهداء يريد مكافأة على شهدائه وجهاده وتضحياته، فتكون المكافأة القبول به حزبا قائدا، ليتحول إلى قدر العراق وقضائه، كما كان الحزب القائد لخمسة وثلاثين عاما، حاشا لكم وأَجَلَّكم الله عن المقارنة؟ ثم لنكن صريحين وصادقين مع أنفسنا، ألم يكن تسعون بالمئة أو لنقل سبعون بالمئة من الجهاد والتضحيات والسجون والتعذيب من أجل مشروع أسلمة المجتمع، الذي كان يمثل القضية المركزية للدعوة والدعاة، وذلك ضمن نظرية (التغيير) التي بنيت على أساسها الدعوة؟ أعني هنا التغيير بمراحلة الأربع، الفكرية السرية، ثم السياسية نصف السرية، ثم الجهادية، ثم الحُكمية، أي إقامة حكم الإسلام، وهذا الذي جعل الشهيد المؤسس يتكلم عن كون التغيير الذي تؤمن به الدعوة هو تغيير انقلابي بمعنى أنه جذري وشامل، وليس تغييرا إصلاحيا، لكون القاعدة السياسية والثقافية والقانونية غير إسلامية في البلاد. ألم يكن مقطع الثمانينات، مطبوعا بالجهاد دفاعا عن دولة الإسلام الشرعية، التي واجهت حسب فهم الدعوة والدعاة آنذاك حرب قوى الكفر العالمية متحدة ضد مشروع الإسلام المتمثل بجمهورية إيران الإسلامية، بقيادة الولي الفقيه، التي كانت الدعوة – ولو دون المجلس الأعلى مرتبة في الاندكاك – وجوب الانقياد لأوامره من وجهة نظر شرعية؟ فما علاقة هذه التسعين – أو لنقل تسامحا السبعين – بالمئة من مسيرة الجهاد لحزب الدعوة بمشروع بناء دولة مدنية ديمقراطية عصرية؟ ثم مفهوم العمل في سبيل الله لا ينسجم مع مفهوم توقع حزب الدعوة لمكافأته عن جهاده بتحوله إلى الحزب القائد.
3. وفرضية ثالثة، هي أنك تصر على مواصلة الإمساك بالحكم، لأنك ترى في ذلك ضمانة من أجل ألا يفلت الحكم من أيدي الشيعة، بعدما حرموا منه، حسب تصوركم، منذ قيام الدولة العراقية. منذ أيام الجمعية الوطنية، عندما كنت معكم في الائتلاف العراقي الموحد، الذي – عفوا – أشعر بالحرج والخجل الكبيرين عندما أذكر ذلك، وقد اعتذرت للشعب العراقي عن كوني جلست لمدة سنة على مقعد برلماني شيعي وإسلامي -؛ قلت لكم آنذاك إن رفع الحيف عن الشيعة لا يكون عبر مشروع سياسي شيعي، بل عبر مشروع سياسي (وطني) و(ديمقراطي)، لأنه ضامن لحقوق الأقليات الصغيرة، فكيف – ومن قبيل الأولى – لا يضمن حقوق الأكثرية. لكنكم للأسف بقيتم في هذا الوهم، وهو وهم الحاجة إلى مشروع شيعي، أو إسلامي شيعي، والذي أصطلح عليه بالشيعسلاموي. يؤسفني أنك ما زلت تفكر بهذه الطريقة كما يبدو لي، وعجبت لطرحك – كرئيس وزراء – ما مضمونه أنه من البديهيات أن يكون توزيع المناصب السيادية العليا الثلاثة على المكونات الكبيرة الثلاثة؛ فتكون للمكون الشيعي رئاسة الوزراء، وبالضرورة والبداهة لنوري المالكي، ورئاسة الجمهورية للكرد، ورئاسة مجلس النواب للسنة (العرب السنة). أمر عجيب أن يفكر رئيس الوزراء لبلد كالعراق بهذه الطريقة، واعذرني، فلست بصدد االإساءة لشخصك الكريم، بل لا بد من المواجهة الصريحة، فوضع العراق لم يعد – بفضلكم وبفضل جل بقية السياسيين الآخرين – يتحمل المجاملات.
4. ثم نفترض كاحتمال رابع أن إصرارك متأت من الخوف من كابوس عودة البعث والبعثيين. لا أتصورك يا عزيزي أبا إسراء مصدقا لهذا الوهم. إنه خوف مفتعل، لا واقع له، فأرجو عدم الاستمرار بادعاء أنك وحزب الدعوة أو قوى الإسلام السياسي الشيعية تمثلون صمامات الأمان أمام خطر عودة البعث، فلا عودة للبعث ولا عودة لديكتاتورية جديدة. وأنت تعلم أفضل مني أنه لم تعد هناك فرص حقيقية وجدية لعودة البعث، إلا من تحوّل من البعثيين غير الملوثة أيديهم بدماء العراقيين إلى سياسيين يؤمنون بالعملية السياسية السلمية، وبدستورية الدولة، وبالدولة الديمقراطية المدنية.
5. افتراض خامس هو إنك تخاف أن يتحول العراق إلى دولة علمانية، وتفلت الأمور من الإسلاميين. فأقول لن يضيع الإسلام يا أبا إسراء، إذا ما أصبح العراق علمانيا، أو لنقل إذا رجحت كفة العلمانيين فيه، بل إن العلمانية – كما تعلم، أو ربما لا تعلم، لا أدري – أحفظ للإسلام من قوى الإسلام السياسي نفسها، لأن العلمانية تدافع حقيققة عن كل دين وكل ألوان التدين وحرية العقيدة أيا كانت، ولا تسمح لأحد أن يقمع حرية مسلم مؤمن ملتزم، فيصده عن صلاته وعبادته، ولا حرية شيعي في شعائره الحسينية ولطمياته ومسيراته وزياراته، ولا حرية سني في الارتداد على مساجده وحضور تكياته للمارسة الذكر الصوفي. ثم أنت تعلم يا أبا إسراء ألا مستقبل للإسلام السياسي، وأن المستقبل لروح العصر والحداثة وثقافة الرفق والسلام وحقوق الإنسان واحترام الحريات، وهذا مما تؤمن به العلمانية الديمقراطية، فلا ينفع دفع التيار المدني أو سمه العراقي أو الوطني، لدورة او دورتين عن تبوؤ موقعه، ولو إن المشهد السياسي ليس فيه الآن تيار ديمقراطي علماني ليبيرالي حقيقي، مع احترمي للجميع، ولكن هناك من هو أقرب لمشروع المستقبل هذا منكم أنتم الإسلاميين، ومن عموم متبني المشروع الطائفي، شيعيا كان أو سنيا. وعندما أقول مشروعكم الطائفي فلا تعتبرها إساءة، لأن مشروعكم مشروع سياسي شيعي، ولا يعني هذا أنكم تحملون بالضرورة عداء للطائفة الأخرى، بل يكفي أن تكونوا مصطفّين شيعيا، وهكذا المصطفّ سنيا فهو طائفي وإن كان خطابه وخطابكم وطنيا ومدنيا.
6. فرضية سادسة هو إنك تريد إبقاء الأمر على ما هو عليه، خوفا من افتضاح ما يُخشى افتضاحه، إذا ما آلت الأمور إلى غيركم، فتفتح ملفات الفساد والتزوير والعنف، التي بدرت منكم أو من حلفائكم أو القريبين، إما قرابة حزبية (قرابة الدعوة)، أو قرابة إيديولوجية (قرابة الإسلام السياسي)، أو قرابة مذهبية (قرابة التشيع السياسي)، أو قرابة رحمية (قرابة نوري المالكي). إذا كان الأمر كذلك فإنه لمحزن ومخيب للآمال. أتمنى ألا يكون كذلك.
7. والفرضية السابعة، وعفوا إذ بدأنا نزداد ابتعادا عن فرض حسن النوايا، مقتربين من فرض سوء النوايا، وكل من ذا وذا هو من قبيل الفرض، ليس إلا، أقول إن الفرض السادس هو أن السلطة والثروة و(الكشخة) والأبهة؛ إن كل ذلك قد زُيِّن لك، وحلى في عينيك، وأنست له نفسك، ولم تعد – شئت أم أبيت – قادرا على التخلص من كل هذا التعلق، فأنت مُجبَر غير مُخيَّر. عندها لن تكون معذورا، لأن القضية ليست شخصية، حتى نتركك لقدرك الذي أنت مجبر عليه، بل نقول، ونقول فقط، لأننا عزل لا سلطة لنا ولا حول ولا قوة إلا القلم واللسان، حتى نكون قادرين على تحويل قولنا إلى فعل، نقول ما هذا الذي كان يستحقه العراق منك، ومن حزب الدعوة، ومن كل الإسلاميين الشيعة، المتفقين معك والمختلفين أو المتخاصمين معك ومع الدعوة، ولا من الطائفيين السنة، ولا من أصحاب المشاريع القومية الأنانية.
إني عندما أوجه هذا الكلام لرئيس الوزراء المنتهية ولايته، فليس من موقع أي عقدة شخصية، بل بالعكس، فإن علاقتي الشخصية كانت مع المالكي هي الأكثر قربا، وودا، وحميمية. ثم حتى من الناحية السياسية، فإني ورغم حسم خياري العلماني، أيدت المالكي يوم دار الخيار بينه وبين الجعفري، وبينت الأسباب، وهكذا عندما انتشرت في فترة بقوة فكرة استبداله، أو خطة مبيتة لاستبداله بغريمه عادل عبد المهدي، فأيدت المالكي في مقابل عبد المهدي، وبينت مبررات الترجيح. ولكن عندما أخيَّر بين المالكي أو أيٍّ كان، وبين العراق، فخياري هو العراق، وخياري هو المشروع الديمقراطي، وخياري هو الهوية الوطنية ومبدأ المواطنة، وخياري هو الدولة المدنية، والتي أصر على تسميتها بالعلمانية؛ العلمانية التي لا تناوئ الدين كما يُروَّج عنها بسوء قصد أو بسوء فهم، بل العلمانية التي تحترم الدين، وتحفظ الدولة من خطر إقحام الدين والمؤسسة الدينية في شؤونها، وتحفظ السياسة من أن تُدَيَّن، والدين من أن يُسَيَّس.

التعليقات

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *