آخر تحديث:
بقلم المدى
تَعِبَ الناس من التوقّف أمام أحاديث يُدلي بها هذا المسؤول أو ذاك من الحكومة أو البرلمان أو الكتل السياسية، ومحاولة حلّ ألغازها والتعرّف على خلفياتها، أو ما يريده المسؤول من إدلائه بالحديث. ولو كان المواطن من المتتبّعين لأحاديث قادة البلد ومسؤوليها، لاندهش أيّما اندهاش، بالجُرأة التي يتمتع بها مسؤولونا وقادة ما صارت دولة بقدرة قادر، فالمتتبّع الذي تغريه الشاشة ليواصل على مدى بضعة أيام برامج التوك شو، أو التصريحات السيّارة قبل أو بعد نشرات الأخبار، سيكتشف جرأة المسؤول العراقي، بل وجسارته في الانتقال من موقف الى نقيضه، ومن حَبكةٍ تبدو مُحكمةً حول قضية خطيرة مثل جريمة سبايكر أو سقوط الموصل أو الهروب الجماعي لأوباش داعش. ويكاد المواطن وهو يتابع حديث المسؤول أن يتلمّس خيوط القضية وأدوات الجرائم المرتَكَبة ، ويصير الى يقين بأنَّ حبل المشنقة سيلتفُّ حول المجرمين قريباً. ولكنَّ المواطن يشعر بالاختناق وكأنَّ الحبل يلتفُّ حول عنقه هو في اليوم التالي، وهو يستمع لحديث نفس المسؤول في قناة أخرى، ليؤكد أنّ أيادي خفية تُحرّك “الإعلام المشبوه” ليُلفّق حكايات لا يصدّقها العقل حول جرائم، الهدف منها التسقيط السياسي، لرموزٍ وطنية لها باعٌ طويل في حماية الوطن والدفاع عن حياضه، وتكريس الحريات العامة وصيانة الدستور، والنيل من هذه الشخصيات، إنما هو مسمارٌ في نعش الدولة والعملية السياسية!ومن هذه الحكايات، ما يَحار المواطن في تصنيفها، إذ تجمع بين المتناقضات في الفن المسرحي، فلا هي كوميديا سوداء، أو تراجيديا رمادية، أو رقصة الخشّابة البصريّة. ولكن لا داعي للمبالغة، فليس في العراق منذ أن سُمّي بـ ” العراق الجديد” ما يثير الاستغراب، أو يدخل في باب المبالغة. كيف يُمكن أن يكون الأمر كذلك ، إذا كان العراق مذ صار جديداً لم يُصبح دولة بلا لا “لا دولة” ولا حتى دولة فاشلة، لأنَّ هذه المواصفات كلها بحاجة الى “دولة” لكي تصبح لا دولة أو فاشلة ..!في تصريحات لعضو اللجنة القانونية في البرلمان “المُعَطَل” يقول فيها: لقد اكتشفنا مدى ضعف أجهزة الدولة الأمنية والسياسية والقضائية وعدم استعداد الجهات المعنية بتنفيذ أوامر إلقاء القبض، وان الحكومة العراقية لا تأبه لدماء العراقيين وليست حريصة على محاسبة المقصّرين والمتسبّبين في إراقتها .!ولا يكتفي المسؤول في السلطة التشريعية المسؤولة عن القانون بـ” نفيه” للدولة، بل ينقل كلاماً عن رئيس جهاز الادعاء العام قاسم الجنابي كلاماً أدلى به أمام اللجنة القانونية البرلمانية يتناول أسباب التأخّر في حسم ملفّات سبايكر، وسقوط الموصل، والهروب الجماعي، جاء فيه ” إن حسم تلك الملفات يتطلب وقتاً طويلاً واستقراراً أمنياً وسياسياً وقضائياً” ..!فهل من عَجَبٍ أو مساءلة قانونية لمن يقول بملء الفم: نحن لا دولة، ولا فاشلة، وعلينا أن نتسلّح بالصبر الجميل، ولا صبر أيوب ..!