كنا نسير بالاسئلة المختومة في الشوارع

كنا نسير بالاسئلة المختومة في الشوارع
آخر تحديث:

مذكرات مدير قاعات امتحانية في عام 1961 

باسم عبد الحميد حمودي

اول قاعة امتحانية شاركت في ادارتها كانت في مدينة الزبيدية عام 1961,اذ صدرت الاوامر السرية من مدير معارف لواء الكوت ايامها المرحوم الاستاذ عبد المنعم راضي بتعيين  العدد المطلوب من مدراء القاعات الامتحانية للدراسات الثلاث.كنت ايامها مدرسا في ثانوية الصويرة,وكان أهل الصويرة ما زالوا ايامها يسمونها (المتوسطة) رغم ان الصف الخامس الاعدادي قد افتتح فيها ذلك العام وكنت واحدا من مدرسيه رغم ان سني لا يتجاوز الثالثة والعشرين وفيه طلبة اكبر مني عمرا وحجما !
كانت طريقة مديريات المعارف (التربية اليوم) ان تنتدب مدراء الامتحانات ومعاونيهم من مدن اخرى لضمان نوع من الاطمئنان,وكان ذلك يتم في المدارس الخاصة بالمدن الصغيرة والكبيرة ,الا في النادر القليل.
تم تعيين الاستاذ عبد الجبار محمود العمر(رح) معاون مدير ثانوية الصويرة ايامها مديرا لمركز امتحانات الدراسة الابتدائية لمدارس ناحية الزبيدية ,ثم مدير المركز امتحان الدراسة المتوسطة في نفس الناحية,وعينت معاونا له للدراستين.
رحلنا سوية من الصويرة الى مدينة الكوت في طريق غير معبد ايامها لاستلام الاسئلة من سعادة مدير المعارف شخصيا الذي استقبلنا مرحبا وسلم للاستاذ العمر الاغلفة الخاصة بالدراسة الابتدائية وهي لست مواد,وتبادل والعمر التوقيع بالتسلم والاستلام,على ان يجري مثل هذا الامر يوم الجمعة الذي يعقب انتهاء امتحانات الابتدائية لنستلم مجددا اغلفة اسئلة الدراسة المتوسطة والدفاتر الامتحانية الخاصة بها.خرجنا من بناية معارف الكوت وقد استأجرنا سيارة اجرة نقلتنا الى ناحية الزبيدية في طريق غير معبد ايامها, وصعدت السيارة في عبارة (بتشديد الباء) تربط بين ضفتي دجلة عند مدخل الزبيدية, وكان معنا في العبارة مجموعة من الافندية والفلاحين والفلاحات من سكان المنطقة,وكانت الاسئلة موضوعة في حقيبة بالسيارة وفي حماية الباري واحترام الناس لها ولـ(المميزين) كما كانوا يسموننا.فور وصولنا المدينة ذهبنا الى السراي حيث مقر مدير الناحية,حيث حفظنا الاسئلة في خزنته الخاصة بوصل تسلم.
دبر الاستاذ (تقي) مدير المدرسة الابتدائية الاخرى امورنا اللوجستية (بلغة اليوم) حيث كان منامنا في المدرسة ومعنا الدفاتر الامتحانية محفوظة في خزانة المدرسة,وبدأنا عمل خرائط جلوس الطلبة.المهم  أن لاأحد يخشى من سرقة أوتعد في تلك المدينة الوادعة التي قضينا فيها اسبوعين كنا خلالها نستلم اغلفة الاسئلة صباحا وقبل الثامنة من مير الناحية ونمشي بها الى المدرسة دون حراسة,وعند انتهاء الامتحان نرزم رزمة الدفاتر ونغلفها ونختمها بالشمع الاحمر (اللك) ونرسل دفاتر الدراسة الابتدائية الى(معارف الكوت) ونرسل دفاتر المتوسطة الى وزارة المعارف ببغداد وبالبريد المسجل,حيث كان يجري تصحيح الدفاتر للمنطقة الوسطى المكونة من الوية بغداد  والحلة والكوت والدليم (الرمادي) وكربلاءوبعقوبة (ديالى) فيما كانت دفاتر الدراسة المتوسطة للمنطقة الشمالية تصحح في كركوك ودفاتر المنطقة الجنوبية تصحح في لواء البصرة.
عندما نقلت الى الديوانية والى ثانوية الدغارة بالذات توليت ادارة عدة مراكز امتحانية للدراستين المتوسطة والاعدادية في الديوانية وعفك والحمزة,فذا كنت في مركز اللواء كنت استلم الاسئلة صباحا من مديرية المعارف –التربية,وقد حدث في منتصف السبعينات أن تغيرت اسماء الالوية الى محافظات وانفصلت محافظة المثنى (السماوة) عن القادسية ومحافظة النجف عن كربلاء,ومحافظة صلاح الدين عن بغداد,وتم تصحيح دفاتر الدراسة المتوسطة في ذات المحافظات وبقيت عملية تصحيح دفاتر الدراسة الاعدادية واعداديات الزراعة والصناعة والتجارة في العاصمة,حيث ترسل كافة الدفاتر الامتحانية بالبريد المسجل بعدختمها ووضع الطوابع الخاصة حسب وزن الرزمة.لم يكن هناك من خوف على رزمة ولا على دفتر ,بل كان اداريو الدولة في الاقضية والنواحي يتعاونون حريصين على سمعتهم مع مدراء الامتحانات,وكذلك مسؤولي البريد في كل مدينة.كان الجميع يخاف الله ويخاف على سمعته وعمله,رغم اختلاف ارائهم السياسية  والفكرية.

التعليقات

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *