آخر تحديث:
بقلم: فاروق يوسف
يبحث أكراد العراق عمَن يحاورهم وبغداد صامتة. لقد أدار العالم لهم ظهره. هل علينا أن نصدق ذلك؟ لو لم يحدث ذلك لما جرؤت بغداد على ألا تلتفت إليهم ولا تحاورهم. بغداد لن تفعل ذلك حتى لو كانت إيران وراءها. لم يكن بإمكان أحد أن يتخيل وقوع ما حدث للأكراد قبل أشهر.
ما مر به الأكراد عبر تاريخ نضالهم المأساوي من أجل نيل حقوقهم المدنية في دولة ديمقراطية تعددية يمكن اعتباره شيئا، وما يعيشونه اليوم من نبذ وعزل وحصار هو شيء آخر. لم يكن متوقعا أن يدخل الإقليم الكردي بيسر إلى المتاهة العراقية.
كان كل شيء هناك يبشر بالخير. على الأقل على مستوى الدعاية الرسمية.
لم تكن القنصليات الأجنبية العاملة في الإقليم كذبة. لقد استثمرت شركات عالمية عديدة أموالها في الإقليم الذي كان يبشر بتحوله إلى وجهة سياحية. كما أن شركات نفطية وقعت عقودا طويلة الأمد مع الإقليم.
تلك الشركات لا تتحرك إلا بمشورة خبرائها الذين يدققون في كل شيء قبل إبداء رأيهم الأخير. المستقبل السياسي هو أكثر العناصر عرضة للتدقيق. كانت الوصفة السياسية الكردية ناجحة. كل ما قدمه الزعماء الأكراد لإنجاح تلك الوصفة كان حقيقيا.
لا أحد في إمكانه أن يشكك في ما تعرض له الأكراد من اضطهاد وقمع وعنف دفع بهم إلى أن يلوذوا بالجبال عصاة، متمردين لم يسع المجتمع الدولي إلى إنقاذهم من حملات الإبادة الجماعية إلا بعد أن تم تدمير العراق في حرب تحرير الكويت عام 1991.
حتى الزعامة الكردية لا يمكن التشكيك بها قياسا للواقع العشائري الذي لا يزال مهيمنا على المستوى السياسي، بالرغم من أن الأكراد وهبوا العراق علماء ومفكرين وأطباء ولغويين ومعماريين وشعراء وسياسيين وقادة جيوش نوابغ في العصر الحديث.
تعامل مسعود البارزاني مع الواقع باعتباره صانع تحولاته ولم ينظر إلى ذلك الواقع باعتباره قوة متغيرة. كانت المعادلات السياسية من وجهة نظره ثابتة. وهو ما دفعه إلى أن يرتكب خطأ لو وقع في زمن مختلف لكانت النتائج وضعته في الموقع الذي يُكتب اسمه فيه بحروف من ذهب. البارزاني لم يخطئ حين أغمض عينيه على حلم شعبه. قال الأكراد “لا” للعراق في الاستفتاء الذي لم يتعاطف مع إجرائه أحد لأسباب خفية.
وبالرغم من ذلك الجفاء، فإن الاستفتاء سيظل حدثا تاريخيا غير مسبوق. أما العقاب الذي يتلقاه الأكراد بسبب ذلك الاستفتاء فإنه أمر طبيعي كان يمكن توقعه في ظل تبدل المعادلات الدولية التي فاجأ العالم نفسه بتطابقها مع المعادلات الإقليمية.
لقد استصغر المجتمع الدولي بـ”لائه” الـ”لا” التي قالها الأكراد حتى محاها.
ربما لا يستحق الأكراد الحجم الذي وضعهم الاستفتاء فيه. فهو حجم أصغر بكثير من حجمهم الحقيقي الذي صنعه تاريخهم في النضال من أجل الحرية. ومن المؤسف أنهم قد انتهوا إلى استجداء الحوار مع حكومة بغداد التي يشبه زعماؤها زعماءهم من جهة عزوفهم عن إجراء حوار وطني إذا ما شعروا بالقوة. لا أعتقد أن الأكراد سيجدون في بغداد أحدا يحاورهم. ما يُطالب به الأكراد لن تستطيع حكومة بغداد تلبيته في ظل عجزها المالي لذلك ستتهرب بغداد من الحوار مدعومة بصمت أميركي.
هناك عدم ثقة متبادل بين الطرفين. بغداد وأربيل لا تثق إحداهما بالأخرى. وهما على حق في ذلك. غير أن ما لا يجب أن تعول عليه حكومة بغداد أن يستمر الإهمال العالمي للأكراد. فتلك حالة مؤقتة لا تصلح للقياس.
ما يمر به الأكراد اليوم من نكوص هو وضع مثالي ينبغي على حكومة بغداد أن تستثمره من أجل إقامة علاقة متوازنة مع طرف مهم في العملية السياسية ينبغي عدم التفريط فيه.
ما يجب أن تفهمه حكومة بغداد أن عراقا من غير سنة أو أكراد هو وهم إيراني لن يتحقق على أرض الواقع.