من الطبيعي أنّ أي تغيير في منظومة المعتقدات والأفكار التي يتبّناها المرء سيرافقها تغيير في القناعات والمواقف السياسية , فأي تغييرات فكرية أو أيديولوجية جديدة من شأنها أن تحدث تغييرات في المواقف السياسية لأي فرد , فقد نرى بعض الناس حين تتغيّر قناعاتهم الفكرية والأيديولوجية , تتغيّر مواقفهم السياسية تبعا لهذا التغيير الجديد , وهذه مسألة طبيعية مرّ بها العديد من المفكرين والقادة السياسيين , لكنّ هذا لا ينطبق على الحالة العراقية الراهنة , فالحالة العراقية قد أفرزت نموذج من النفاق السياسي غير مألوف في أي بلد في العالم , فإذا كانت الضفادع تغيّر لون جلدها بين الحين والآخر تبعا للظروف المناخية المحيطة بها , فإنّ بعض العراقيين قد فاق حتى الضفادع في تغيير مواقفه السياسية والانتقال من حضن حاكم لحضن حاكم آخر , بل أنّ البعض منهم قد أخذه الزهو في المكان الجديد الذي تسلّق إليه ليطلق العنان لفكره الانتهازي والوصولي بوصف ما يجري من صحوة لنوّاب الشعب العراقي في التصدّي للفساد والفاسدين بأنّه ( ثأر سياسي ) , والضفدع المقصود في هذا المقال هو أستاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد والمستشار الحالي في رئاسة الوزراء الدكتور إحسان الشمري الذي نال شهادته الماجستير عن بحثه في دور جريدة الحرية التي يرأسها قاسم حمودي والد البعثيين جعفر وسعد في نشر أفكار حزب البعث العربي الاشتراكي في العراق , وهو واحد من عشرات الانتهازيين الذين انتقلوا بولائهم من البعث إلى الإسلام السياسي ومن المالكي إلى العبادي .
المقال الذي نشره إحسان الشمري يوم أمس تحت عنوان ( العبادي .. والمعركة الأخيرة ) , أراد من خلاله أن يكون جواز مرور لما يسعى له ويستقتل من أجله , وهو أن يكون ناطقا رسميا باسم رئيس الوزراء أو ناطقا باسم الحكومة , ومصطلح ( الثأر السياسي ) الذي تفتّقت به عبقرية هذا الضفدع بعد أسابيع من البحث والتفتيش كما يقول , هو لوصف ما يجري في مجلس النوّاب من صحوة لكشف الفساد والفاسدين وإقالتهم , حيث يرى أنّ حملة الاستجوابات التي ينهض بها مجلس النوّاب العراقي لمحاربة الفساد المستشري في مؤسسات الدولة العراقية ووزاراتها , ما هي إلا عملية انتقام وتصفيات سياسية تستهدف الخارطة السياسية التي انتجت رئيس الوزراء وكابينته الوزارية , وبالتالي إعاقة أي نجاح يمكن أن يحسب لرئيس الوزراء وحرمانه من أي رصيد سياسي , فهو يفترض أنّ الهدف من هذه الاستجوابات هو الوصول لاستجواب رئيس الوزراء من خلال ملفات معدّة مسبقا يقوم بها خصومه , وأول هؤلاء الخصوم هم جبهة نوري المالكي , وهذا هو بيت القصيد في كل هذا المقال , فالشمري يريد أن يقول للعراقيين أنّ ما تقوم به جبهة الإصلاح الوطني من حملة على الفساد والفاسدين , يقف ورائها نوري المالكي لأسباب تتعلّق بالانتقام والثأر السياسي من خلفه حيدر العبادي والانقضاض على حكومته وإسقاطها , وبدوري أقول للشمري جئت متأخرا فقد قالها قبلك الكثيرون كان آخرهم الوزير المقال هوشيار زيباري , ولهذا أيها الشمري المتسلّق لست أول ضفدع ولن تكون الأخير في المشهد العراقي .