لماذا تغيب المكتبة المدرسية؟

لماذا تغيب المكتبة المدرسية؟
آخر تحديث:

هدى عبد الحر

عندما كنت طالبة في المرحلة الابتدائية حدّثنا معلم اللغة العربية عن  أهمية مكتبة  المدرسة وروى لنا قصصاً وحكاياتٍ له مع الكتاب وقضاء أجمل الاوقات في المكتبة ومع بداية كل عام يعرض لنا كتبا جديدة ومجلات ودوريات مختلفة ، ويخصص لنا حصة اسبوعية نذهب بها  بلا حقائبنا وأدواتنا إلى مكتبة المدرسة  مصطحبين قلماً ودفتراً فقط ،  لكي  ندوّن القصص والمعلومات التي نحتاج إليها  نقضي هنالك  وقتاً ذهبياً، وقبل ذلك يلقي علينا كلمته الموجزة يحثنا بها على الالتزام بالهدوء  وعدم التكلم بصوت مرتفع والمحافظة على نظافة المكتبة وترتيبها لأنها مكان مهم ومقدس ويجب عدم العبث به ، وإثارة  الضوضاء . المكتبة جميلة ونظيفة والكتب مصفوفة بطريقة انيقة وألوانها تجذبنا ، يرحب بنا أمين المكتبة بابتسامة لطيفة وهادئة وهو رجل انيق ومترف وذو صوت منخفض ، وبعدها نقف بانتظام كي يسجل اسماءنا في ( سجل الزائرين) كنت اكتب اسمي وصفي وعنوان الكتاب في الزيارات المتأخرة للمكتبة، ففي البدايات لا عنوانَ محدَّداً لكتاب بعينه يحضر في ذهني. ويأخذ كل منا مكان جلوسه على  الكرسي الصاج  و تتقدمه تلك الطاولة الخشبية النظيفة ذات اللون الناصع . بعد ذلك يقدم لنا أمين المكتبة ما نحتاج إليه من كتاب، ويأتي دور المعلم ليشرح لنا الكلمات التي يصعب علينا فهمها لا قراءتها .
وأتذكّر وقتها كنت دائما اسأل معلمي بعد الانتهاء  من الحصة المكتبية ، هل سنزور المكتبة في الاسبوع المقبل ؟ ويجيبني نعم بالتأكيد .. كنت شديدة الفضول بالسؤال وحب الاطلاع المعرفي بحيث أسأله عن كيفية تصنيف المكتبة، ولماذا وُضِعت كتب التاريخ هنا ولم توضع هنالك، ولماذا الدوريات أشكالها لا تشبه الكتب وغير تلك من الأسئلة، وهو لا يملّها ويؤكد لي دوما أنّكِ ستمتلكين مكتبة وستكونين استاذة في المستقبل لأنكِ قارئة مبكرة ..وصلتُ  إلى الثانوية، وبقيت أرتاد المكتبة حتى حصلت على بطاقة أصدقاء المكتبة، وكم كنت افتخر بها  وأعتزّ.
لم تكن المدرسة مؤسسة تربوية فحسب، بل هي مؤسسة ثقافية لأنها تضع حجر أساس الوعي لدى التلاميذ، وتمهّد لهم شقَّ طريقهم بأنفسهم، فالاستزادة من المصادر الأخرى غير المقررات الدراسية والاطلاع والقراءة تساعد على تنمية القدرات و اكتشاف المواهب وتشجيعها، ورعاية القدرات المبكّرة وبنائها بطريقة صحيحة. إنّ المدرسة هي النافذة التي يُطلّ منها التلميذ على عوالم الفكر، وتشبع فضوله الذهني، وترفد حصيلته المعرفية وتوسع مداركه وتوجهاته ونظرته إلى الأشياء. إنّ تنمية الوعي وتربية الذوق لدى التلميذ هي مهمة المكتبة المدرسية بعد المعلم المربّي المقتدر.  والمكتبة  جزء من حقوق الطفل فضلاً عن نفعها في استثمار أوقات التلاميذ وتوظيف الطاقات بطريقة إيجابية، ليكون لديهم رصيد معرفي يسهم كثيراً في إدراكهم الصحيح جوانب حياتهم، وتهذيب سلوكهم .ويبقى السؤال الذي يؤرّق كلّ من يعرف أهمية المكتبات: اين هي المكتبة المدرسية الآن ؟ ولماذا تغيب ؟

التعليقات

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *