لماذا نكتب؟

لماذا نكتب؟
آخر تحديث:

حسن فالح
لو كان هناك عدة اشخاص في هذا الكون لن اتردد وساكتب لهم. رد امبرتو ايكو بهذه الكلمات على من يدعون انهم لا يكتبون للناس بل يكتبون لانفسهم، بحجة المتعة التي تتولد لديهم جراء الكتابة، لكن كيف باستطاعة من يكتب ألا ينتظر من يبدي رأيه بكتابته، او حتى من يعطيه الملاحظات بقراءة نقدية تُقوم من اسلوبه والعمل الذي يشرع بكتابته حتى يُطور من ادواته وامكانياته الكتابية، وثمة سؤال آخر يطرح نفسه امام من يدعي عدم الكتابة للناس، اذا اراد في يوما ما ان يكتب مذكراته الى من يا ترى سيكتبها، فإذا كان الادعاء انه يكتبها لنفسه فما الداعي لكتابتها؟ لذا يؤكد عالم السيميائيات والروائي الايطالي امبرتو ايكو على ان الكتابة هو نشاط فردي وسلوك لا يكتمل الا بوجود المتلقي والذي يقصد به الناس، ويضيف على كلامه لو ان كل الناس اختفوا فانه سيكتب الى من يتبقى منهم ولو كانوا عدة افراد. ولو راجعنا قول الروائي الكولومبي غابرييل غارسيا ماركيز وهو يقول؛ انه يكتب لكي يفرح الاصدقاء، لتأكدنا من ان الكتابة هي فعل لا يمكن ان يستمر الا بالتواصل مع الاخرين ويتم هذا التواصل عن طريق الكتابة لهم. وسواء كان الكاتب وجد نفسه داخل مجال الكتابة من خلال دراسته او موهبته الكتابية فهو يستمد صوره وافكاره من خلال المجتمع الذي يرد عليه هو بنفس هذا الفعل الكتابي او الترجمة الصورية التي يحولها هو الى نشاط كتابي. لكن لو طرحنا سؤالا على انفسنا، لماذا نكتب؟ 
قد يرى البعض ان الاجابة على هذا السؤال بسيطة، لكنها في الواقع اعمق مما يتصوره الاخرون لانه سيفتح ابواب العقل للتفكير في هذا السؤال وستتولد علامة استفهام كبيرة تجعلنا نراجع كل ما كتبناه، واذا ما عرفنا الكتابة على انها عملية كتابة على كتابة، سنرى ان قراءة الاعمال التي كتبها الاخرون هي ما تدفع الى الكتابة بعد الخزين الكمي والمعرفي الذي يتكون لدى الفرد، ولن يحتاج الكاتب الا الى تلك القدحة التي ستولد عنده الرد الكتابي على الكتابة الاولى، نحن نكتب لنتأثر ونؤثر، وهذا التأثير هو فعل فيه دافعية التأثير بالاخرين الذين لا يمكن ان نكتب بدونهم، وهو رؤية للواقع التي تمكن الآخرين ان المشاهدة بعيني الكاتب التي ترى ما لا يمكن ان يروه، او ايصال فكرة قدح زنادها في وعي الكاتب من غير ان يلتفت اليها البعض، فتكون عملية الكتابة في هذا الوضع واجباً انسانيا يتحتم على الكاتب الاستمرار بمواصلته لايصال الرؤى والافكار الى القارئ، لأن الكتابة غاية نبيلة وسامية ويجب استخدامها لاسعاد قلباً او تنير عقلاً، ولأن الكلمة أمانة لذلك يستوجب أن نستدعي ضمائرنا ونحن نكتب، ولأن الفكرة التي نُصدِرها إذا ما كانت مشروعا لجعل العالم مكانا أفضل يتوجب أن نبتلعها. فعالم الكتابة بحر كبير مترامي الاطراف لا نهاية له ولا يوجد مستقر للقلم على شواطئه، فلا تكتبوا كما هي الحياة، لأن الكتابة تضيف على الواقع.

التعليقات

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *