كاظم فنجان الحمامي
خدعونا عندما قالوا لنا: أن العرب أمة واحدة، وأن الوطن العربي هو الحاضنة القومية الفردوسية، التي تجمعنا على الألفة والمحبة، وتضمنا كلنا بقلوب موحدة من المحيط إلى الخليج، لكننا اكتشفنا مؤخراً أن أمتنا أمة مفككة، وأنها لا تسمح لنا بالتنقل والسفر عبر منافذها الحدودية إلّا بمعجزة كونية، ثم اكتشفنا أنها أمة متآمرة على نفسها، وأن زعمائنا يدينون بالطاعة والولاء إلى أعداءنا.
وخدعونا عندما قالوا لنا: أن عناصر منظمة (حماس) على استعداد تام لخوض أشرس معاركهم تحت قبة المسجد الأقصى، وأنهم سيضحون بأرواحهم من أجل انتزاع أرضنا المغتصبة من قبضة العدو الصهيوني، لكننا عثرنا على جثث لهم في ضواحي بغداد وضواحي القاهرة.
وخدعونا عندما قالوا لنا: أن حبل الكذب قصير، حتى جاءت الأيام التي فوجئنا فيها بأن حبال معظم الأكاذيب السياسية أطول من سور الصين، وأنها قد تصل إلى أبعد مما نتصور. وخدعونا حين قالوا لنا: أن الشياطين والأبالسة لهم قرون ملتوية، ومخالب منحنية، فاكتشفنا أنهم يطلقون لحاهم الكثيفة. يرتدون الجلباب. ينتعلون القبقاب. ينشرون الإرهاب. يذبحون الناس بدم بارد. من دون أي ذنب.
وكذبوا علينا في حصة التاريخ. قالوا لنا أن أجدادنا فتحوا بلادا لم تعرف قبلنا معنى الحضارة. قالوا: (حملنا الورود تارة، وحملنا الأقلام والقراطيس تارة، ليتهم ما كذبوا فما كنا قد صدمنا اليوم بمرارة).
وكذبوا علينا عندما قالوا لنا ادرسوا، وتعلموا حتى (يصير بروسكم خير)، وتصبحوا قدوة المجتمع، فدرسنا وتعلمنا ونلنا أرفع الدرجات العلمية، لكننا وجدنا أنفسنا نتسكع بعد التخرج على أرصفة البطالة، ونقبع في ذيل القائمة، ووجدنا تجار الخردة والعربنجية والعتاكة يتبوءون المراتب الاجتماعية العليا، بينما صار مصير أصحاب الكفاءات النادرة بيد الأميين والجهلة.
وخدعونا عندما قالوا: أن الشرطة في خدمة الشعب، وأن أجهزة أمن الدولة تعمل ليل نهار لضمان راحة المواطن، وأن أعضاء البرلمان، وأعضاء المجالس تحملوا الأهوال والمصاعب من أجل أن ينعشوا أحوالنا الاجتماعية، ويحسنوا ظروفنا المعيشية.
وكذبوا عندما قالوا: أن السارق يذهب إلى جهنم، فاكتشفنا أنه يذهب إلى أوربا، ويعيش في أرقى الأحياء اللندنية. وكذبوا عندما قالوا: اليد التي تتوضأ لا تسرق، فاكتشفنا أن معظم السراق والحرامية صاروا يتظاهرون بالورع والتقوى لذر الرماد في عيوننا المصابة بالرمد الصديدي المزمن.
وكذبوا عندما قالوا لنا: إن الزواحف الأليفة لا تجيد التسلل من ثغرات الحدود المفتوحة. وخدعونا حين قالوا لنا إن الكلاب التي لا تنبح لا تعض. وكذبوا علينا عندما قالوا لنا: إن الذئب هو الذي أكل ليلى رغما عنها. حتى اكتشفنا أن جدتنا الطيبة هي التي تنازلت بإرادتها عن حدود كوخها. وهي التي استغنت عن خدمات الناطور، فسمحت للذئب بالقفز فوق سياج الحقل. ثم اكتشفنا أن لا حقول خضراء مثمرة من دون أسيجة. وإن زمن الجدات الطيبات قد ولى. وقد أتى زمن الساحرات الشريرات.
لقد كذبوا علينا، واستمروا بالتلفيق والكذب حتى مللنا من أكاذيبهم. كذبوا على المستمعين، وكذبوا على المشاهدين، وكذبوا على أنفسهم، وعلى التاريخ، وعلى المستقبل حتى انكشفت مزاعمهم الباطلة كلها، وظهر زيفهم وبهتانهم، فهل نسمح لهم بمواصلة الكذب والافتراء بعدما وقع الفأس بالرأس، وبعدما ضاع الخيط والعصفور ؟.