من عجائب هذا الزمان المبتهج بأدوات حروبه الفضائية، وطائراته المسلحة التي تدار بالريموت كونترول، وصواريخه المسيرة بالأقمار الصناعية، أن تنشغل حكوماته وشعوبه بإيران، من أمريكا إلى أوربا والصين والهند وروسيا، مثل هذا الانشغال الذي لم يحدث مثلُه من قبل، في أي زمان أو مكان.
والأكثر غرابة أن هذا الإنشغال العالمي بإيران ليس بتقدمها العلمي، ولا الثقافي، ولا العمراني، بل بوحشيتها وهمجيتها وعدوانيتها وطيش حكامها المجانين، وباعتداءاتها وتحدياتها وتهديداتها التي لا تكف عن إطلاقها لا ضد دول عربية صغيرة، بل ضد أقوى وأكبر دول العصر الحديث، وبمعدل يومي لا ينقطع.
تُرى، ما السر الذي يجعل دولا كبرى لم تتوقف إيران عن إهانتها وإرهابها لا تقتلع نظامها الشرير في أيام، وهي قادرة، بل تلجأ إلى مجاملتها، وإلى محاورتها بالتي أحسن، ومحاولة استمالتها، والسعي المضني من أجل إعادتها إلى العقلانية والوسطية،وإلى حياة الدول المتجانسة المتسالمة المتصالحة، رغم أن كل رؤساء تلك الدول ووزرائها وخبرائها العسكريين والسياسيين، معا، يعلمون بأنهم ينفخون في قربة مثقوبة؟.
فلا اليوم ولا غدا ولا بعد مئة عام يُحتمل أن يستفيقوا ذات صباح ليجدوا المرشد الإيراني علي خامنئي قد نزع عمامته وارتدى قبعة، وزين رقبته القصيرة بربطة عنق أوربية زاهية، وأصبح رجل سياسة وكياسة وعدل وسلام وعقل وإنسانية، معلنا ندمه على ما أذاقه لفقراء شعبه في إيران، وإخوته في الطائفة والدين والمصلحة في دول جيرانه العرب والمنطقة والعالم.
وبعد كا حماقة طائشة ترتكبها إيران لا يهب العالم، خصوصا المتحضر المتحدث كثيرا عن القانون الدولي والشرعية والسلام، إلى صفعها وردعها بما يجعل نظامها الشرير يعرف حده فيقف عنده، بل يجري قادة وزعماء من الغرب ومن الشرق لمنع الرد عليه بما ينبغي، بحجة الحرص على أمن المنطقة وسلام العالم.
وها نحن نفاجأ، كثيرا، بزعيم غربي أو شرقي، يتوسط، أو يطرح مبادرات لا ينتج عنها في النهاية غير رفع مستوى غرور المعممين الإيرانيين وزيادة منسوب تهديداتهم للقريب والبعيد من دول وشعوب.
ورغم أن الكل، عراقيين وعربا وأجانب، عارفون أن إيران تحكم العراق، من ألفه إلى يائه، فإنهم لا يمتنعون عن استقبال رؤساء أو وزراء عراقيين من أعلى مستوى، والاستماع إليهم بصفتهم وسطاء يبحثون عن حل لوضع المنطلقة الملتهب المقترب من الانفجار، والذي لم يكن ملتهبا ولا متفجرا قبل وجود الخميني ووريثه خامنئي ومساعديهما وأعوانهما المسكونين بالإثم والعدوان.
وهنا نأتي إلى مربط الفرس في هذه المقالة. فعادل عبد المهدي، وهو الموضوع، مصادفة، في مقعد عبد المحسن السعدون، ونوري السعيد، ومحمد فاضل الجمالي، وعبد الرحمن البزاز، يحطّ ضيفا على هذه الدولة أو تلك، بهيئة وسيط وحمامة سلام.
وآخر زياراته المستغربة هي آخرها التي حل فيها ضيفا على الملوك السعوديين.
رغم أن هناك أمرين ساخنين يَشغلان الملوك السعوديين ومواطنيهم لايصدقُ أحدٌ منهم عادل عبد المهدي حين يتحدث عنهما وفيهما،
الأول براءة إيران من الاعتداء الأخير على أرامكو، ومن قائمة طويلة جدا من المؤامرات والتخريبات والتفجيرات والاعتداءات والاغتيالات ضد السعودية وأي دولة عربية ترفض سياساتها التسلطية الشريرة، لا لأن أكثرية دول العالم حمَّلت النظام الإيراني مسؤولية الجرائم القديمة والجديدة، تلك، بل لأن أكبر أقطاب النظام، نفسه، هم الذين يباهون بأن (الطائرات والصواريخ جاءت إلى السعودية من الشمال)، ويؤكدون تصميمهم على أن المزيد منها سوف يأتي دون ريب.
والثاني تعهدُ عادل عبد المهدي للسعوديين بـ (أن العراق معهم)، وأن (أمن العراق من أمن السعودية)، وتصريحُه بأن (حكومته لن تقبل بأي عدوانٍ على أمنهم ومصالحهم)، مع العلم بأن أي عدوان على أمنهم ومصالحهم لن يكون إلا خارجا من تحت عمامة الولي الفقيه، ومن تدبير حرسه الثوري، أو وكلائه العراقيين واليمنيين.
والقاصي والداني، وحتى المستجد في السياسة، يعلم علم اليقين، بأن العراق ليس هو العراق الذي كان، بل هو عراق الحشد الشعبي الذي يؤكد الإيرانيون أنه حشدهم.
وفي الساعة التي كان فيها عادل عبد المهدي في القصر الملكي في الرياض خرج واحدٌ من قادة الحشد الإيراني ليعلن أن (العراق سيحارب إلى جانب إيران إذا ما شنت أمريكا أو السعودية الحرب عليها) (شاءت حكومة بغداد أم لم تشأ).
وأعلن رجل الدين الإيراني آية الله أحمد علم الهدى، إمام الجمعة في مدينة مشهد، وعضو في مجمع الخبراء المكلف باختيار المرشد الأعلى والإشراف على عمله وحتى إقالته، أن “إيران اليوم ليست فقط إيران، ولا تُحد بحدودها الجغرافية. فالحشد الشعبي في العراق، وحزب الله في لبنان، وأنصار الله في اليمن، وقوات الدفاع الوطني في سوريا، والجهاد الإسلامي وحماس في فلسطين، كلها إيران“. ثم قال بوضوح أكثر، وبالقلم العريض، مخاطبا السعوديين “إن الهجوم الذي استهدف منشأت النفط التابعة لكم جاءكم من الشمال“.
ثم أعقبه القائد العام للحرس الثوري الإيراني اللواء حسين سلامي، في كلمة ألقاها خلال مراسم افتتاح معرض صيد النسور في متحف الدفاع المقدس بطهران، معلنا أن : “على أعدائنا أن يدركوا أننا لم نُظهر بعدُ القدرات الأساسية لقواتنا. لقد أظهرنا جزءً صغيرا منها“. و “من يريد ان تكون أراضيه ساحة حرب فنحن مستعدون لها. لن نسمح مطلقا بجر الحرب إلى أراضينا، وسنواصل حتى النهاية، لأن الهجوم المحدود لن يكون محدودا، ولن نستكين حتى هزيمة المعتدي، ولن نُبقي أي نقطة آمنة“.
إذن، بأي وجه وبأي لسان وأي لغة تحدث عادل عبد المهدي في الرياض؟. ترى، أما كان الأجدر به والأكثر سَترا لعورات عهده غير السعيد أن يلزم داره، وأن يتوقف عن السفر، وعن الكلام؟.