ماذا يتعلم العراقيون من رواندا

ماذا يتعلم العراقيون من رواندا
آخر تحديث:

 بقلم:حامد الكيلاني

حيت رواندا، الدولة الأفريقية الأشهر عالمياً على صعيد الإبادة الجماعية والتطهير العرقي، في السابع من أبريل الذكرى الـ25 لبداية الحرب الأهلية بين الأكثرية من قبائل الهوتو وأقلية قبائل التوتسي من الذين وقعوا ضحية الاستياء وثقافة تأجيج الكراهية التي أدت إلى سقوط قرابة المليون قتيل من المواطنين الأبرياء في أبشع صور الاستهانة بالحياة البشرية.انجرفت البلاد إلى الفقر والجوع المتناهي والأمية وانعدام فرص العيش، حتى حدثت الانعطافة في الشروع ببناء دولة قائمة على تأمل الخراب والفوضى لاقتفاء أثر التجارب العالمية، دون تنظير أو مزايدات، لاستئصال سياسة الماضي الأليم والبدء بخطوة مصالحة مجتمعية مدعومة برؤية قانونية تحرّم ما يحث على تجديد الخطاب العرقي ووضعه التحريم في الدستور لمنع تسلل أي مفردة تخدش الأمن المجتمعي.

رواندا تحقق اليوم قفزات في التنمية وتحتل مكان الريادة في محيطها الأفريقي على مستوى السياحة وتيسير الفرص الاستثمارية، بل إن العاصمة كيغالي صنفت على أنها الأجمل والأنظف والأكثر أمناً في القارة.أما الإثارة فهي في اقتفاء أثر التغيير بإطلاقها أول قمر صناعي في فبراير الماضي من قاعدة غويانا الفرنسية لمهمات تتعلق بتطوير أنظمة التعليم وتجسير الفجوة الرقمية بين المدن والأرياف والمناطق النائية.في العراق، يمكن للتجربة الرواندية أن تضع كل خبرتها القصيرة في خلاصة ردم مستنقع الانتقام، وذلك باتخاذ قرار اللاعودة إلى الظروف والمناخات المسببة للهوس والتوحش اللذين تحوّلا في رواندا خلال أشهر قليلة إلى درس بليغ لشعوب العالم، عندما وجدت رواندا نفسها أسيرة مأساتها بمعاناة الوحدة وانسحاب البعثات الدبلوماسية ومعها العدد القليل المتبقي من القوات الدولية، رغم أن بعض تلك الدول ساهم، بطريقة أو بأخرى، في الوصول برواندا إلى ما وصلت إليه، لكن عندما وقعت الواقعة تُركت لمصيرها لتواجه الكارثة ثم البحث عن الحلول والبدائل لعلاج نزيفها.

يتوزع العراق، قومياً ودينياً وعرقيا وإثنيا، إلى مفترقات وتفرعات عادة ما تنتهي إلى التفريط بأهمية قوة العدد أو مكانة المجموعات في مفارقة النظام السياسي القلق، وما تبناه من تجذير لمعاني التقسيم والفرقة في كتابة فقرات الدستور أثناء الهياج الطائفي بعد الاحتلال الأميركي، والذي تبنته الأحزاب العقائدية الإيرانية حينها، وبما وجد له من أصداء في مواقف الولايات المتحدة لإفراغ محتوى الدولة العراقية من المؤسسات الأمنية والعسكرية والمدنية.

بعد 16 سنة من نتائج الاحتلال الأميركي استقرت الأقلية على مفاهيم جديدة خارج حسابات وتشوهات ولادات حكومات الاحتلال، وما نتج عنها من إبادات موثقة في خطابات زعماء الأحزاب والميليشيات والتي سبق وأن لوحت بالإرهاب كعصا ماكرة لتنفيذ مناهج الإبادة بما يؤمن لها تحشيد قوات التحالف الدولي وإطلاق سراح يد الميليشيات الإيرانية، لتكون بديلا للحرس الثوري في العراق، وتحت حماية النظام وقانون البرلمان، والأهم من ذلك فتوى المرجعية المذهبية.

الأقلية في العراق بعد انتهاء فصول الحرب الأهلية بإبادات وخسائر بشرية تتفوق كثيراً على ما حصدته مناجل وسواطير قبائل الهوتو في رواندا من أرواح الأبرياء. انزوت في نظام سياسي أقلوي بكل معنى الكلمة، مقابل ما يمثله شعب العراق من أغلبية قادرة أن تقرر في لحظة حاسمة مصير العراق الوطني ومستقبله الإنساني.

وقفة تأمل أو تفكر في أسلوب إدارة العراق تتيح حتى للمواطن البسيط رؤية مأزق غياب السيادة وقرار الدولة في ارتباك المواقف بين الرئاسات الثلاث وتباينها في المصدر الواحد حسب اختلاف بوصلة جغرافيا اللقاءات الإقليمية والدولية.العراقيون منذ أبريل عام 2003 وقعوا في فخ احتلال مزدوج أطبق عليهم تماماً وفي وضح النهار، لذلك فإن أي نظام سياسي وطني لا يمكن أن يساوم على “العراق أولاً” استجابة لما تمليه عليه ولاية الفقيه من توصيات تسيء إلى إرادته الخالصة في مصالح شعبه وكرامة مواطنيه على أرضهم، أو بالخلط والإيهام واللعب بالألفاظ والمعاني لتبرير الولاء للأجنبي، سواء كان هذا الأجنبي أميركياً أو إيرانياً.

لا دولة من دون مواجهة الحقائق والاعتراف بأن العراق ذاهب مرة أخرى إلى منزلق الصراعات بالنيابة على أرضه، فمسودة الكوارث تؤكد أن ولاية الفقيه تتحكم بالعراق بل إن العراق يدار أساساً بالمرجعية المذهبية وهو ما يتم التأكيد عليه من قبل نواب ومسؤولين من خلال الثناء على مرجعية المرشد علي خامنئي في ضمان الأمن في بغداد وعموم العراق، بعد أن كان الثناء مقتصراً على مرجعية النجف.

دولة من دون رؤية ومشروع خاص بها وبشعبها ستظل حبيسة لمشاريع الآخرين وأجنداتهم. دولة بأكثر من 60 ميليشيا خاضعة لأوامر المرشد الإيراني في العراق معناها صراعات مسلحة وتصفيات ومناوشات واشتباكات وفتاوى دم ومداخلات لقوى واستراتيجيات دول عظمى وكبرى.ميليشيات عقائدية بالتأكيد لن تذهب الدولة إلى نزع سلاحها بتطبيق القانون أو التفاهمات أو الصلاحيات أو حب الوطن وغد الأجيال، لأنها مرتبطة بالمرجع العقائدي، وإن كانت الفتوى صادرة بالجهاد الكفائي من مرجعية النجف لمحاربة إرهاب تنظيم داعش، لكن الحقيقة تكمن في ولاء الميليشيات لولي الفقيه الإيراني الذي لا حدود لأجنداته في العراق والمنطقة، وإلا لكانت نهاية داعش نهاية لتواجد كل الميليشيات وأيضاً لكل القوات الأجنبية في العراق.

مفهوم بناء الدولة عموماً يستقر عند حدود المصالح الوطنية، عندها بالإمكان أن نرفع رؤوسنا ولا نتردد في اقتفاء أثر التجارب الإنسانية أينما كانت، ولعل في ثنائية الإبادة والاستفاقة منها بتجربة النهوض في رواندا ما يتناغم مع ثنائية رذيلة احتلال العراق وفضيلة الاعتراف بالأخطاء التي ترتقي إلى جرائم ضد الإنسانية.

التعليقات

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *