ماذا ينشد الكتّاب والمبدعون العرب من وزراء الثقافة؟
آخر تحديث:
شريف الشافعي
تَوازيًا مع أعمال مؤتمر وزراء الثقافة العرب في القاهرة، وتوصياته المتنوعة، أجري استطلاع بين المبدعين والناشرين لتقصّي مطالبهم من مسؤولي الشؤون الثقافية في بلادهم، وآمالهم المنشودة، من أجل تجاوز الأزمات الثقافية الراهنة، ومواجهة تحديات الحاضر والمستقبل. وحملت الدورة الـ21 لمؤتمر الوزراء المسؤولين عن الشؤون الثقافية في الوطن العربي برعاية الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، ورئاسة إيناس عبدالدايم وزيرة الثقافة بمصر، وبالتعاون مع المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (الألكسو) شعار “القدس فلسطينية”، وأسفرت اجتماعات الحضور تحت عنوان “المشروع الثقافي العربي أمام التحديات الراهنة” عن مناقشة محاور وأمور عدة. من القضايا التي أثيرت: ترسيخ الهوية العربية وحماية اللغة، التصدي للتطرف والإرهاب والعنصرية، بناء المشروع الثقافي العربي، إقامة إنتاج ثقافي عربي متكامل ومستدام، تعزيز الحوار والتواصل مع العالم، تذليل العقبات أمام صناعة النشر وحركة التوزيع، وغيرها من القضايا. في حديثهم لصحيفة “العرب”، قدّم مبدعون وناشرون ومثقفون مطالبهم المنشود تحقيقها من جانب الوزراء والمسؤولين عن شؤون الثقافة في الدول العربية.
منطقة ملتهبة
يقول الشاعر والكاتب فتحي عبدالسميع “إن كلمة الثقافة تستحق الواجهة بعد سحقها في ظل رؤية سياسية قاصرة تنظر إلى إدارة الأوطان نظرة اقتصادية بحتة تبتغي المال السريع، وهذا خطأ فادح، لأن الأزمة الثقافية هي التي تجعلنا في منطقة ملتهبة، يتسيّدها العنف، وتسيطر عليها التناحرات”. ويرى أن هناك حاجة ماسّة إلى برامج جادة وواعية لمواجهة ملفات مصيرية، كانخفاض الشعور بقيمة الذات العربية، وجدارتها بالحضور في قلب العصر، والمساهمة في التطور الإنساني، ويقول “نحتاج إلى مشروعات ثقافية كثيرة جدًّا، تصل الشقوق والتصدّعات التي حدثت، وتقاوم عمليات التفتيت والتشويه المستمرة، وتحافظ على الهوية وتحاورها وتجدّدها”. ويدعو عبدالسميع إلى مراجعة العقيدة الثقافية على مستوى الحكومات والكيانات الأهلية، ومراجعة الميزانيات المزرية التي تخصصها الحكومات للثقافة، فلا بد من فكّ كل قيد على العمل الثقافي. وأشارت الناشرة فاطمة البودي إلى أن قائمة مطالب الناشرين تتضمّن إتاحة المزيد من الحرية، ووقف مصادرات الكتب ومنعها في المعارض وغيرها، وتسهيل حركة الكتاب بين الدول بإلغاء الجمارك وإزالة العقبات والروتين، فنحن بحاجة إلى مرونة وآليات حقيقية، لا إلى مؤتمرات وشعارات. ولفتت البودي إلى أهمية تأسيس شركة نزيهة لتوزيع الكتب في العالم العربي، وخارجه، لمواجهة مشكلات النشر والتوزيع الحالية خصوصا في أوروبا وأميركا، وأنّ حركة الترجمة من العربية إلى اللغات الأجنبية بحاجة إلى جهود مضنية، لنقل الفكر الجادّ والأدب الحقيقي في عالمنا العربي، إذ لا يكاد يترجم الغربيون حاليًا إلا التفاهات التي تدعم صورة العرب السلبية في مخيّلتهم. وتراجعت حركة الترجمة في كثير من الدول العربية، وبدا كأنّ المؤسسات المنوط بها القيام بهذا الدور لم تعد مهتمة بتنشيطها، وحصر الترجمة على ما تقوم به بعض الدول والجهات على سبيل الدعاية الثقافية، من دون اهتمام بالنوعية. وتوقّف الروائي والكاتب السوري عدنان فرزات في تصريحاته عند أن الآخرين تمكّنوا بعد حقبة العولمة من تجاوز التحديات الثقافية وحافظوا على هويتهم، بينما خسرنا نحن الأوطان والمثقفين وانهزمنا في كل شيء. أما وزارات الثقافة العربية، فوظيفتها تتحدد بترسيخ الثقافة الرسمية وفق المعايير الممنهجة. ويرى فرزات أن الثقافة الجماهيرية منُوطة بالمثقفين أنفسهم، وهم ليسوا قادرين وحدهم على صناعة وعي الشعوب لأسباب بعضها يتعلق بحرية التفكير، والآخر يتعلق بانحياز المثقف نفسه إما لأيديولوجية سياسية وإما عقائدية وإما فئوية، وهذا مؤسف، لأن كل مثقف يتهم فئة المثقف الآخر بالإرهاب.
مؤسسات مدنية
ترى الشاعرة السورية بسمة شيخو أن وزارة الثقافة في أغلب نماذجها العربية مجرد مؤسسة حكومية جامدة، تتبنّى الفساد الذي تنتهجه الوزارات الأخرى، ويديرها موظفون، في حين كان من الممكن أن تملك هذه الوزارة دورًا رياديًّا في دعم الفنانين والأدباء وتبنّي مشاريع ومبادرات ثقافية مجتمعية تتكلف نفقات بسيطة مقارنة بالميزانيات الضخمة المهدرة في مجالات أخرى. وتطالب شيخو المثقفين بأن ينفتحوا على الآخر ويخرجوا من قواقعهم، وألا يسهموا في تعميق التطرف والعنصرية بكلماتهم المسيّسة وأن لا تصير أقألامهم مأجورة. وقالت الشاعرة السورية في رأيها إن “أحد الحلول إفساح المجال أمام مؤسسات مدنية حقيقية تستطيع تبنّي مشروع ثقافي يوافق توجهاتها وفق استراتيجيات خاصة ودون وصاية”. أما الشاعر والكاتب صالح الغازي فيعلّق آمالًا على الترجمة بصفة خاصة، باعتبارها الأقدر على إحداث الحراك الثقافي. ويقول “على الحكومات العربية أن تجتمع على برنامج لدعم ترجمة مؤلفات المبدعين والعلماء العرب المعاصرين إلى كل اللغات الأخرى، لأن عندنا بالفعل ما يستحق نقله للعالم”.ويتطلع الغازي إلى استيفاء وحدة قوانين في مجالات حقوق الملكية الفكرية وفي الرقابة على الكتب بما يتضمّن توحيد العقوبات والتعاون في مجابهة السرقات والجرائم الإلكترونية والتزوير للارتقاء الحقيقي بصناعة النشر. وتشير الشاعرة المغربية علية الإدريسي البوزيدي إلى أن المثقفين في بلادنا أمام تحديات جسام، فلا يمكن للمرء إلا أن يقامر بكل ما ورثه من حضارة في مواجهة هذا التطرف والغلوّ، لفتح حوار إيجابي مع العالم بكل مكوّناته، لأننا شئنا أم أبينا في مستنقع يشدّنا إلى الأسفل. وتدعو الإدريسي إلى ثورة ثقافية تشاركية ترتكز في أساسها على الإرث العربي كمادة أولية، مع تطعيمها بهذه الأصوات الجادة التي تشاركنا قلقها الوجودي، ثم توزيع هذه الثقافة على أرجاء المعمورة وبكل اللغات المتاحة، من أجل وضع مصابيح للطريق وخلق بقعة ضوء في الأفق. وتقول الشاعرة المغربية “نحن نحتاج إلى ثقافة إنسانية تزرع الأمل في مستقبل الغد بانتماء كوني”.