ما أحوجنا اليوم إلى “عكازة” المرحوم عبد الرزاق الحسني

ما أحوجنا اليوم إلى “عكازة” المرحوم عبد الرزاق الحسني
آخر تحديث:

 بغداد/شبكة أخبار العراق- في إحدى جلسات لجنة، كتابة تاريخ جديد للعراق، كان المرحوم عبد الرزاق الحسني حاضرًا، وهو من الأسماء الفواعل في التاريخ، وكانت تنتصب بجانبه عكازته التي بدت وكأنها شخصية ثانية تتقاسم معه فضاء الكرسي، كانت العكازة برأسها المعقوف ذي اللون الرمادي تهتز وتتحرك تبعا لمجريات الحديث عن التاريخ العراقي. وفي إحدى المرات رفعت يده العكازة وضربتها بالأرض، فأحدثت صوتا ملفتا، انتبه الحاضرون، كما انتبهنا نحن المشاهدين، كانت الفكرة التي طرحت عن كتابة التاريخ العراقي لا تنسجم والثقافة التي صرف المرحوم الحسني عليها كل عمره، مما أثارت هذه الضربة العالية حفيظته التاريخية، وعلقت يومها قائلا: إن تاريخنا بأيدٍ أمينة، لا يمكن تزييفه، مهما كانت الظروف، وكأنَّ عكازة الحسني حين قالت  «لا»، ليس هكذا يكتب التاريخ. كانت لسان تاريخنا، وحين صدر كتاب التاريخ بعشرين مجلدا، مات يوم صدوره. بقيت تلك اللقطة التلفزيونية في ذاكرتي، كجزء من مدونة الزمن العراقي عن النظام السابق، حيث كان يعتمد وضع اسمه وتاريخه في كل موقع أثري أو أية شاهدة فنيّة متميّزة، وموقع جغرافي له خصوصيته، ففي أسوار بابل وضع صدام  اسمه منقوشا على آجر السور البابلي القديم، وتحت نصب الحريّة وضع النظام تمثالا مشوهًا كتب عليه: شيَّد في زمن البكر، واختار النظام أجمل بقاع العراق وأكثرها ثراء وجمالا ليبني فيها قصورًا له، وهكذا تجد أن الأنظمة الدكتاتورية تغيّر ليس التاريخ فقط، إنما الذاكرة، والمدونة، والأرشيف، والجغرافيا، والطابو، والجنسية.وبعد احتلال العراق عام 2003 شهدنا ظواهر لتغيير التاريخ أيضا، شهدنا التغييرات الديموغرافية التي لجأت إليها المحاصصة الطائفية، وشهدنا إحراق الكثير من وثائق التجنيس العراقي، وشهدنا منح جنسيات لغير سكنة بعض المحافظات ليزداد عددهم فيها، مما سهل على البعض أن يستغلها فيزوّر شهادات التخرج، ويُنتخب نائبًا، ويحتل مركزًا، ويصبح سجينا سياسيًا، فينهب أموال العراق وشعبه، أقول إنَّ مثل هذا التزييف للتاريخ بحاجة دائمًة لعكازة عبد الرزاق الحسني، لا لتشير إليهم وتدينهم، إنما لترفضهم جملة وتفصيلا.

التعليقات

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *