علي علي
“الله يساعدك”.. هذه العبارة السحرية ما أروعها..! وما أوسع مدياتها التي ترحل بنا الى عالم الطمأنينة والراحة، فحين تدخل مسامعنا يتبدد ماعانيناه من تعب النهار ومشقة الليل، لاسيما إن خرجت من أفواه تحبنا ونحبها بصدق وشفافية ونقاء.
“الله يقويك”.. هي الأخرى عبارة تسمو بنا الى حيث تجديد الهمة، واستحداث النشاط على أكتاف الملل ورغما عن آلام الكلل.
“الله يبارك بكدك”.. في كنه هذه العبارة مايفوق السابقتين، إذ هي تتوج الجهد الخالص في أعمالنا بتاج الرضا، كما أن فيها بعثا لآمال تثب غدنا قبل يومنا.. فتقرب مستقبلنا لنا، وتنير ظلمات ما استوحش من مسيرنا وطريقنا حين يشح سالكوه.
“عاشت ايدك”.. هي إقرار بالإعجاب والامتنان، كما أنها تأييد بأدائنا الواجب والعمل الصالح بإتقان ومهارة عاليين.
ماسبق من عبارات ليست جديدة على مسامعنا جميعا، فهي غرة مانسمعه من أبنائنا وأخواننا وزملائنا حين نلتقيهم، وكم هي رقيقة حين تنساب الى أسماعنا محفوفة بالأماني الخالصة ومشاعر الحب الحقيقية الصادقة، دون رتوش او تزويق او تجميل، فالأذن لاتقل عن العين إدراكا وتفسيرا لما يدور من حولها، بل في بعض الأحايين يغلب السمع البصر، كما قال الشاعر الأكمه بشار بن برد:
ياناس أذني لبعض الحي عاشقة
والأذن تعشق قبل العين أحيانا
وقد تعود العراقيون عند عودتهم من عملهم الذي عادة مايكون شاقا -واغلب الاحيان غير مجد- ان تتلقى أسماعهم إحدى العبارات آنفة الذكر، وبديهي أن الله جل وعلا نِعم المساعد، فبه نستعين وعليه نتوكل وإليه ننيب.
وبعملية استقراء سريع على فئات عمرية متنوعة من العراقيين، نستنتج ان أغلبهم تنقلوا خلال مراحل نشأتهم بين عدة حرف وأعمال ومهن. منهم من حالفه الحظ ولم يترك مدرسته وأكمل تعليمه، وبذا يستغني في كبره عن الأعمال المختلفة التي تنقل بينهاـ بعد ان يكون قد اختط لحياته عملا ثابتا معززا بشهادة أكاديمية واختصاص عادة ما يستمر به طيلة حياته. ومنهم من تكالبت عليه صروف الدهر واجبرته على ترك دراسته وقضاء يومه (من النجمة للنجمة) واحيانا بعد النجمة، لجلب لقمة العيش.
وباستقراء سريع آخر على الفئة الأخيرة نستنتج ان اغلبهم فقد احد ابويه او كليهما ما اضطره للتوجه الى العمل واعالة باقي افراد عائلته. هنا في بلدنا العراق، ما أكثر هذه الشريحة التي أفرزتها الحروب والحصار والسنوات الاخيرة التي دخل فيها القتل الى تفاصيل حياتنا الدقيقة، إذ يزحف الموت بالجملة وبالمجان الى العراقيين متعقبا إياهم محلة محلة.. زقاقا زقاقا.. “زنكه زنكه”..!. فيكثر الأيتام وتترمل النساء ويفجع الآباء وتثكل الأمهات. فكنتيجة حتمية ينشأ جيل لايعرف غير العمل، أي عمل، وبأي ثمن، وبلا تخطيط للمستقبل، إذ ينحصر تفكير أغلب العراقيين اليوم بين ثلاث مهام لارابع لها سأطلق عليها الثالوث الحيوي، وهي؛ “الريوك والغدا والعشا”. وقد دأب هؤلاء في أيامهم على اجترار المعاناة في شظف العيش المرير باستمرار، في ظل تردي الأوضاع الاقتصادية للبلد، وانحسار فرص العمل بشكل لايوفر لهم ذاك الثالوث إلا من رحم ربي.
وهذه الشريحة من المواطنين -وهي الأغلب- هي من تستحق إسماعها العبارات التي ذكرتها في بدء حديثي، فهم الذين “الله يساعدهم ويقويهم ويبارك بكدهم”.. وهم الذين “عاشت ايديهم” على جهادهم المقدس للحصول على لقمة العيش لهم ولرعيتهم. فلهؤلاء ترفع القبعات ونقف بإجلال واحترام وتقدير.
بعد أيام قلائل تنتهي العطلة التشريعية لمجلس النواب، بعد فصل مرهق -للعراقيين وليس للنواب-..! ولو استرجعنا جدوى أعمالهم خلال فصلهم التشريعي، لخرجنا بنتيجة لاتسر ولا تفرح، إذ ما من عمل لهذا المجلس حقق جدوى تستحق قول؛ “الله يساعدك”.. ولم يكن هناك سعي جاد من أعضاء المجلس -فضلا عن رئيسه- بإنهاء مشاكل البلد ليقال لأحدهم؛ “الله يقويك”.. كما لاأظن أحدا يرضى بتضييعهم الوقت والمال من دون إحراز تقدم بما يصب في خدمة المواطن، وبذا أقول؛ “لابارك الله في كدهم”.. أما أيديهم فلا عاشت..! كونها مغلولة الى أعناقهم.