لا يمكن لأي عراقي مخلص وعادل ونزيه إلا احترام أخيه العراقي المخلص والعادل والنزيه الذي أصر، وما يزال، بشجاعة ومثابرة وثبات، على الاقتصاص من الفاسدين، وعلى إعادة الأموال المنهوبة المهربة إلى خارج الوطن لخزينة الدولة، وتوظيفها في إصلاح الخراب الذي تسبب فيه الفاسدون أنفسهم، من أول تسلمهم السلطة عام 2003 وإلى اليوم.
ولكن اللافت للنظر في التظاهرات والاحتجاجات التي تتواصل في بغداد والمحافظات الجنوبية الأخرى هو حصرُ مطاليبها، قطعا، “بمحاسبة سراق المال العام، واسترداد الأموال التي سرقوها”.
ويعلم كثيرون بأن الفساد ليس هو فقط الاختلاس من المال العام، أو تبذيره، أو تهريبه، وأن الفاسدين ليسوا هم، فقط، الأشخاص الذين كانوا في الحكومة أو البرلمان أو رئاسة الجمهورية، بل إن معهم كثيرين من خارج الحكومة، موالين ومعارضين، متواطئين مع الحكام الفاسدين، ومستفيدين من فسادهم، ومنهم رؤساء أحزاب، وقادة مليشيات، وشيوخ قبائل، وأئمة مساجد وحسينيات، وأصحاب فضائيات وإذاعات وجرائد، شيعةً وسنة، عربا وكوردا وتركمانا، مسلمين ومسيحيين.
ويبدو أن الوجوه الأخرى العديدة من الفساد الذي كانت سرقةُ المال العام أهونَها وأقلَّها ضررا وتخريبا، غائبةٌ أو مُغيبة من قاموس المتظاهرين والمحجتجين والمعتصمين العراقيين.
والغريب العجيب أن الرئيس العبادي الذي وعدنا بعزمه الأكيد على محاربة الفساد أعلن أيضا، وفي الوقت نفسه، وعلى شاشات التلفزيون، أنه معتز ومتمسك بانتمائه لحزب الدعوة، رغم أنه يعلم بأن كل مصائب الوطن وأهله من صنع حزب الدعوة المدمن على احتكار السلطة، من العام 2003 وحتى اليوم.
ولا يخفى عليه، وعلى غيره من المخضرمين، والغارقين في الحكم، أن الفاسد الأخطر من سارق المال العام هو:
– من كان حاكما طاغيا طائفيا عدوانيا متعصبا أمر مستشاريه ومساعديه ومرافقيه ووكلاءه الجهلة والكذابين والنصابين ومزوري الشهادات بتقتيل، أو تهجير، أو اعتقال الآلاف من أبناء الطوائف والقوميات والأديان الأخرى التي لا يحبها وليُّ أمره القابع وراء الحدود.
– وهو الذي منع العدالة من إدانة مختلس، أو من قام بتهريبه إلى خارج الوطن.
– ومن استعان بحكومة أو مخابرات أجنبية، ومكنها من رقاب مواطنيه وحرياتهم وكراماتهم، وسمح لها بتأسيس المليشيات، وتسليح العصابات، وإشعال الحرائق، وتفجر المراقد الشيعية والسنية معا، لإحداث الفتنة وتعميق العداوات بين مكونات الشعب العراقي، خدمة لأهدافها التوسعية.
– وهو الذي أحيا نعراتٍ وخلافات وثارات ميتة، واستخدم أموال الدولة وجيوشها لفرض عقيدته الواحدة التي لا يتفق معها كلُ شركائه في المواطنة.
– وهو الذي منع تدريس الفنون، وحارب العلمانية، واستخدم رجال الدين لتحويل معاركه الشخصية الأنانية المنحرفة إلى معارك مقدسة يخوضها من أجل نصرة طائفته وحمايتها من أعدائها وأعداء الدين.
– ومن كان السبب المباشر أو غير المباشر لوقوع كوارث احتلال الموصل وغيرها.
– ومن كان وراء حدوث مجزرة سبايكر.
– ومن هيمن على القضاء، وأمره بالحكم على سياسيين عديدين، من خصومه، بتُهم الإرهاب أو الاختلاس، ثم بأن يُسقط نفسُ ذلك القضاء تلك المحكوميات عمن يرضى هو عنه ويخدم ديكتاتوريته. وما حدث مع مشعان الجبوري ما زال حديث المجالس.
– ومَن سطى على صلاحيات رئيس الجمهورية، واحتقر البرلمان، وتمرد عليه، وهدد بحله، والحكم بدونه.
– ومن بعثر المال العام، مزاجيا وبحسابات شخصية خالصة، فتبرع لدول مجاورة بنفطٍ أو بملايين من الدولارات، دون إذن أو مشاورة مع أحد.
– ومن غض النظر عن تهريب السلاح والمسلحين من إيران إلى سوريا، وأرسل المليشيات الطائفية لحماية عرش الديكتاتور حليف ولي نعمته الإيراني، فأطال أمد الحرب، وزاد من تعقيدها وانعاكاساتها ومخاطرها المستقبلية على أمن العراق وعلى الشعب العراقي والمنطقة.
وهنا نسأل، هل سيُهمل العبادي كلَّ هذه الأنواع من الفساد، ويمسك فقط بمن اختلس بعض المال، ويترك العشرات والمئات من أصحاب الرؤوس الكبيرة التي لولاهم، ولولا رضاهم، أو تطنيشهم، لم يجرؤ أحدٌ من الأقارب والحبايب والموالين على اختلاس عنزة واحدة، أو جمل واحد، أو قطيع كبير من الجمال؟ّ!