الكوليرا في زمن الفساد..الى متى؟

الكوليرا في زمن الفساد..الى متى؟
آخر تحديث:

 بغداد/شبكة أخبار العراق-  سعد الكناني..استيقظ العراقيون قبل اسابيع على خبر رجع بهم لايام وسنوات مؤلمة يتذكرها الاباء والاجداد ، بتفشي وباء الكوليرا المميت.الكوليرا .. هذا الوباء الذي انقضى منذ عقود ، يعود مجدداً لبلد النفط والخيرات.. لبلد السواد والثمرات.. لبلد النهرين الذي يبيت العدد الكبير من اهله عطشى كالبساتين والمزارع.الكوليرا تعود وبشدة لتنتقم من ابناء واحفاد من قضوا عليها بالماضي .. تعود والكثيرون هنا ساعدوها على العودة بماذا ؟ ساعدوها بالارهاب والسرقة والفساد.الكوليرا تعود بعد ان تأخر انجاز المشاريع الخاصة بتنقية المياه .. تعود بادخال الاطعمة الفاسدة والمنتهية الصلاحية .. تعود لتفترس اجساد الابرياء من اطفال ونساء ورجال.وكالمعتاد تبادلت الجهات من هنا وهناك الاتهامات لتلقي اللوم على بعضها البعض بما حصل ويحصل .. فهم يعلمون انهم جزء كبير بعد القدر بهذه المصيبة والازمة الا انهم يحاولون ، عسى ان تخرج سجلاتهم وفيها بعض الصفحات البيضاء بعد ان امتلأت سواداً كالحاً.تاريخ هذا الوباء في العراق يشير الى انه ليست المرة الأولى التي يتعرض فيها البلد الى غزو الكوليرا ، بل أطل مرّات وحصد ارواح الآلاف من العراقيين وفي أزمانٍ بعيدة ، منذ العهد العثماني وبالذات سنة 1864 حيث قدم المرض من ايران والذي اتاها من الهند ليحصد 4318 شخصاً ، حتى تم القضاء عليه في عام 1975.انتشر المرض بسبب قلة المياه النظيفة وزيادة تلوثها ليضرب محافظات في الوسط والجنوب اضافة لبغداد العاصمة ، لتبدأ المستشفيات والردهات الصحية باستقبال وافدين جدد من عدو جديد اضافة لما موجود من مصابين من ارهاب داعش.ان الوباء بحاجة الى تضافر الجهود بدلاً من توجيه الاتهامات والابتعاد عن المسؤولية .. فلتكن المسؤولية واحدة وتحمل الهم واحد .. فالكوليرا عدو جديد  وجاء بسبب الفساد الحكومي ويضاف للمتكالبين على العراق واهله ، والقضاء عليه خطوة اخرى تضاف لخطوات انتشال البلاد من واقعها لواقع افضل.والسؤال المطروح الآن، متى يتخلص العراق من الارهاب بشقيه الداخلي والخارجي، ومتى نتخلص من وباء الكوليرا، وهل هناك قدرة على ضرب الفساد واقتلاعه من جذوره بالفعل؟، هناك دراسات تؤكد أن ما يعانيه العراق ليس وليد اليوم، بل تراكمات بعيدة بدأ تظهر بقوة على السطح.إن هذا البلد كان محكوما بالقمع على مدى الحكومات الملكية والجمهورية التي تتالت في حكمه، هذا النهج القمعي تمثل بالسياسة العرجاء التي كانت تدير شؤون البلاد كافة، لذا فإن ضعف المنظومة الصحية يمثل حاصلا للتردي في النهج السياسي، ومع أن بعض النظم الحديدية قد تنجح ببناء منظومة خدمات صحية متطورة، إلا أن النهج السياسي المتوتر لابد أن ينعكس على عمل هذه المنظومة، كذلك ينطبق الامر على مكافحة الارهاب والفساد الذي ينتشر على نحو مؤسف في البنية الادارية.هناك من يرى ان الذرائع التي تتعلق بأسباب الماضي واخطاء الحكومات السابقة، لم تعد تجدي نفعا، خاصة ان الحكومات الديمقراطية تجاوز العقد في الحكم ولم تفعل شيئا لمحاربة الفساد والارهاب والكوليرا، ففي عراق الحاضر هناك تجربة ديمقراطية لا يزال كثير من المعنيين يطلقون عليها مصطلح الديمقراطية الوليدة او الجديدة، على الرغم من عبورها الى عامها الثالث عشر، فهذه السنوات الطويلة نسبيا، لو أن الحكومة الديمقراطية وعت أهمية الصحة ومكافحة الفساد والارهاب ولو انها فعّلت هويتها وانتسابها الى الانظمة المتطورة، لكانت قد بذلت جهدا تنظيميا واضحا في بناء المؤسسة الصحية في العراق ومكافحة الفساد والارهاب.لكن هذا الامر لم يحدث حتى الآن، لدرجة أننا نفتقد لبرنامج ضمان صحي واضح المعالم يمكن أن يحمي الفقراء العراقيين من حالة الضعف التي تواجههم صحيا، كذلك نحن بحاجة لتفعيل اصلاحات العبادي وتحويلها من كلمات الى افعال لتصحيح البنية الادارية والقضاء على الفساد والارهاب معا.إن التلازم الواضح بين مكونات “الفساد ،الارهاب ،الكوليرا”، تجعلنا على يقين من ان معالجة الفساد الحكومي، وتعضيد المنظومة الصحة والقضاء على الامراض الفتاكة ومن بينها الكوليرا، ومن ثم القضاء على الارهاب الذي يضرب الدولة والمجتمع من الخارج والداخل، يدفعنا دائما لمطالبة الحكومة بمتابعة الاصلاحات بصورة جدية.فالمطلوب من حكومة السيد العبادي أن تحرص على مكافحة هذا الثالوث الخطير، وأن تسعى بجدية وتخطيط وتنفيذ سليمين لبناء مقومات الحياة العصرية للعراقيين وفي مقدمتها الصحة، وأن تتحاشى انعكاس أزماتها على الميادين العملية الاخرى، فمن مؤشرات ودلائل الدولة الديمقراطية العصرية، وجود مؤسسة صحية ناجحة ووجود ضمان صحي يكفل تقديم العلاج مهما كان ثمنه للفقير وغيره ممن يحتاجونه، وأن تنهض وزارة الصحة بمهامها بصورة جيدة.على أن يتزامن مع هذه الخطوات خطوات اخرى في مجال مكافحة الفساد وتفكيك خلايا الارهاب وضربه بقوة، كذلك لابد من السيطرة على وتيرة الاسعار المتصاعدة للادوية واستغلال المرضى من لدن بعض الاطباء والصيادلة، فالمهم هو القضاء على هذا الثالوث الخطير، الذي بدأ يحث الخطى لضرب الفقراء بالدرجة الاولى ومن ثم عموم مكونات المجتمع العراقي.

التعليقات

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *