وأخيراً، لاح ضوء في نهاية النفق، فثمة أخبار تُنبئ بأنه قد جاء، أو بالأحرى سيجيء، الفرج المنتظر طويلاً، طويلاً، لأهالي بغداد – خارج المنطقة الخضراء – وزوّارها المعذّبين خنقاً بالزحامات المرورية التي فاقمتها أمانة بغداد هذه السنة بإغلاق الجزء الأكثر حيوية من طريق محمد القاسم السريعة في فترة الذروة السنوية التي تبدأ مع مفتتح العام الدراسي الجديد!
الفرج المؤمّل سيطفح هذه المرة ليصل إلى البصرة، إن لم تجرِ الرياح فوق شط العرب والخليج العربي بما لا تشتهِي السُفن، كما هو حاصل دائماً وأبداً مع المشاريع التي فيها منفعة وجدوى لعموم الناس، كمشاريع الكهرباء والصحة والتعليم والماء والصرف الصحي والنقل، وهي الأهداف الرئيسة للفاسدين والمُفسدين في هذه الدولة وفي هذا العهد الذي لم يثبتْ حتى الآن أنه أفضل كثيراً من سابقه ويستحقّ كل التضحيات الجسام التي قدّمها الشعب العراقي في سبيله.
شركة ألستوم الفرنسية أعلنت الأربعاء الماضي عن أنها وقّعت مذكرة تفاهم مع العراق لإنشاء خطّ مترو معلّق في بغداد وخطّين في البصرة. بالطبع بين التوقيع على مذكرة التفاهم والبدء بوضعها موضع التطبيق والتنفيذ الكثير من الجدري والحصبة، بحسب تعبيرنا الشعبي، وبين الوضع موضع التنفيذ والانتهاء الكثير من الجدري والحصبة وربما الكوليرا أيضاً، فثمة جيش جرّار من الفاسدسن والمفسدين يرابط في الطريق لـ”تشليح”الشركات والمقاولين الذين سيتولّون التنفيذ.
إعلان الشركة الفرنسية أوضح أنّ مشروع مترو بغداد البالغ طوله عشرين كيلومتراً سيستغرق العمل فيه خمس سنوات.. بالطبع ليس في وسع أحد أن يضمن حصول ما تعِدُ به الشركة، فهناك الكثير من المشاريع التي صُمِّمت لتُنجز في سنة أو بضع سنوات واستمر العمل فيها سنوات عدّة، بل بقي الكثير منها”على النصّ”أو حتى عند مرحلة وضع حجر الأساس ليس إلّا…. وفتشوا عن الفساد دائماً!
مشروع مترو بغداد يرجع تاريخه إلى مطلع عقد الثمانينيات من القرن الماضي. كان مشروعاً طموحاً يربط مركز العاصمة بضواحيها بشبكة من خطوط السكك الحديد تحت الأرض تشتمل على العشرات من المحطّات، بيد أن حروب صدام الداخلية والخارجية أطاحته مثلما أطاحت تنمية العراق ورفاه شعبه، بل ألقت بهما إلى جحيم الموت والخراب والدمار.
عاد المشروع إلى التداول في 2011، يوم ظلّت سماء العراق لسنوات عدّة تمطر دولارات بفضل فورة أسعار النفط (أكثر من مئة مليار دولار سنوياً)، بيد أنّ الفاسدين والمفسدين الذين فرّوا بالجمل وما حمل، لم يتركوا شيئاً لمشروع المترو المُقدّرة كلفته نحو مليارين ونصف المليار من الدولارات فقط لا غير، وهي كلفة لا تكاد تُذكر بالمقارنة مع المليارات المئوية من عائدات النفط في تلك السنوات، بل إنّ الفاسدين والمُفسدين لم يتركوا شيئاً حتى لمشاريع متناهية الصغر كالمستشفيات والمدارس!
لنتفاءل بالخير لعلّنا نجده هذه المرة، خصوصاً أنّ مشروع مترو بغداد قد اختُصِر من نحو عشرة خطوط لا تترك حيّاً أو ضاحية في بغداد إلا وتبلغه، إلى مجرد خط واحد يبدأ من منطقة المحطة العالمية في الكرخ وينتهي بمنطقة الجامعة المستنصرية في الرصافة.
لنتفاءل هذه المرّة… ولنقل: اللهمّ خُذ بيد حكومتنا وأمانة عاصمتنا إلى طريق الصلاح والإصلاح، واحمِهما”من شرّ غاسق إذا وَقب، ومن شرّ النفّاثات في العُقد، ومن شرّ حاسد إذا حسد”.