آخر تحديث:
بقلم: حامد الكيلاني
وكالة الاستخبارات الأميركية رفعت السرية عن الوثائق أو المستندات التي تم ضبطها في الهجوم الذي أدى إلى مقتل زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن داخل مجمع في مدينة أبوت آباد الباكستانية بداية مايو 2011 وفيها ما يؤكد العلاقة بين تنظيم دولة إيران الإسلامية وبين تنظيم القاعدة.
تلك الصلة كانت مثار شك وجدل وريبة تواصلت وارتبطت بتنظيم داعش أيضا، وكان السؤال دائماً لماذا لا تتعرض إيران لأي هجوم أو عملية إرهابية، في حين أن الإرهاب ضرب معظم الدول المحيطة والقريبة منها، بل تعداها إلى دول أوروبا وأميركا ومناطق مختلفة من العالم؟
وثائق أبوت آباد تشير إلى رسائل متبادلة وإقامة وعبور للأراضي الإيرانية وعروض بدعم مالي مع السلاح والتدريب، وهي عناصر في صلب مناهج الأعمال القتالية الإرهابية.
إيران استعدت بعد وصول الرئيس دونالد ترامب إلى إدارة البيت الأبيض للإجابة العملية على عدم استهداف النظام الإيراني بالعمليات الإرهابية، رغم أن المدانين بالإرهاب ينتمون إلى جماعات متشددة ومتطرفة تم تسويقها في الإعلام على أنها جماعات مذهبية وطائفية بالضد من الانتماء المذهبي والطائفي لولاية الفقيه وأتباعها، بل إن المتوقع في بديهيات الفكر الإرهابي أن تكون إيران في مقدمة المستهدفين والمطلوبين للهجمات الإرهابية.
التفسيرات والمبررات الإيرانية لم تكن مقنعة بما يكفي لحصر الأسباب في قوة ومتانة الأجهزة الأمنية والاستخباراتية فحسب، لذلك ذهبوا للتصريح بأهمية المهمـات القتالية الخارجية لميليشيات الحرس الثوري في العراق وسوريا واليمن لتلافي مجابهة الإرهاب على أراضيهم وفي مدنهم.
لكنهم استشعروا مخاطر تصفير العمليات الإرهابية باستمرار، فكان ما كان من مسرحية الهجوم على البرلمان الإيراني أو على مقربة من قبر الخميني في طهران وانتهت بإطلاق صواريخ باليستية على مدينة دير الزور في عرض يوحي بالانتقام ورد الفعل تجاه الإرهاب بحجة ساذجة لتجريب البرنامج الصاروخي خارج المحاسبة والمساءلة الدولية في محاكاة متوازية لتجارب كوريا الشمالية وبإيحاءات سياسية مترامية.
إيران لم تعد ضمن مرمى الشكوك بالإرهاب أو دعمه وتمدده، إذ لا يمر يوم تقريباً إلا ولإيران دور في زعزعة الاستقرار. أولاً على صعيد تأكيد عدائهم للعرب، وثانيا في نشر الإرهاب على مساحات واسعة من العالم تطبيقاً لغايات تصدير ثورتهم التي يراها بعضهم للاستهلاك المحلي بما يخدم سياستهم كملالي على رأس سلطة حاكمة، بينما الوقائع ترسخ صادراتهم على أنها بمنهجية من صلب توجهاتهم الفكرية التي قامت عليها تعاليم المرشد الأعلى منذ استلام السلطة في إيران عام 1979.
الكشف عن الوثائق السرية خطوة مضافة إلى استراتيجية الرئيس الأميركي دونالد ترامب تجاه النظام الإيراني، حيث بدأ تطبيقها فعلياً في إعلان 13 أكتوبر الماضي بدعوة الكونغرس الأميركي لمراجعة ومعالجة العديد من نقاط الضعف الشديد في الاتفاق النووي مع التلويح والتهديد بالانسحاب في حالة عدم إجراء التعديلات المطلوبة.
خطوة الكشف عن الوثائق وردت في رقم صادم اقترب من 470 ألف ملف أو وثيقة، مع الإشارة إلى وثائق أخرى تم حجبها لأنها تتعلق بأسماء وأحداث مازالت تتفاعل في تأثيرها ونشاطها الميداني أو المعلوماتي.
توقيت إطلاق الوثائق يعمل كعدسة تكبير لما يجري على الساحة الأفغانية ومحاولة إيران الانفتاح في أنشطتها المسلحة بالتعاون مع حركة طالبان ومجموعة ميليشيات تم الإعداد لها لتقدم خدماتها في عرقلة جهود السلام أو المصالحة المجتمعية ولمشاغلة قوات حلف الناتو بما فيها القوات الأميركية في حالة نشوب أي صراع مسلح محتمل.
قوات حلف الناتو في أفغانستان وصل تعدادها إلى 16 ألف جندي بعد زيادة 3 آلاف في إطار مهمة الدعم الحازم التي وصفتها روسيا بأنها غير مؤثرة في ردع العمليات الإرهابية والهجمات المسلحة المتزايدة، ما دفع بالولايات المتحدة إلى التلميح بدعم سياسي تتلقاه طالبان من الحكومة الروسية في غمزة إلى تاريخ الاحتلال الروسي وفشله في أفغانستان والذي كان من أهم مسوغات نشوء الحركات الإرهابية عندما بدأت بحركات مقاومة جهادية ضد المحتل الروسي.
روسيا وإيران تؤديان أدوارا متشابهة في أفغانستان أو سوريا، وتتفرد إيران في دول أخرى كالعراق واليمن ولبنان عملياً وبغطاء سياسي روسي، أحياناً مباشر وأحيانا أخرى خفي، لكنه حاضر في التصريحات أو في الهيئات الأممية أو في المناورات وتبادل الاتهامات أو تكذيب ونفي التفاهمات.
في سوريا شن النظام الحاكم غارات جوية عنيفة استهدفت مخازن المساعدات الغذائية التابعة للأمم المتحدة والتي وصلت إلى مدينة دوما على شحتها، فهي لا تغطي سوى 40 ألف نسمة من 400 ألف نسمة في حالة حصار.
وعبورا على الموت المجاني، ماذا قدمت روسيا وإيران من مساعدات إنسانية لشعوبنا، وتحديدا للشعب السوري غير الخراب والدمار وتجربة كافة أنواع وصنوف الأسلحة والميليشيات وبغطاء جوي تردد روسيا باستمرار أنه كان وراء بقاء النظام السوري في السلطة.
الشعوب تموت جوعا وإيران لا تتوانى عن إيصال أسلحتها إلى اليمن لتطيل أمد النزاعات والعدوان، وإطلاق الصواريخ الباليستية وآخرها على مدينة الرياض الذي من تداعياته عقد اجتماع طارئ لجامعة الدول العربية للتشاور في الانتهاكات الإيرانية، وعلى مستوى وزراء خارجية الدول الأعضاء في دورة غير عادية نأمل أن تخرج بإدانة للعدوان دعما لمواقف المملكة العربية السعودية.
رغم أننا لا نتوقع موقفا بالإجماع مع كل طرح يتعلق بإيران وإرهابها في المنطقة، إذ تلجأ وفود معينة إلى لعبة النأي بالنفس في محاولة للالتفاف على أي قرار أو موقف حاسم تجاه قضايا أمتنا المصيرية، فسياسة النأي بالنفس أصبحت لعبة مزدوجة بين السياسة الداخلية والخارجية كما يحدث في جنون حزب الله وتخبطه في لبنان، أو في فلسفة ومتاهة وزارة خارجية العراق في كل ما يتعلق بالإرهاب الإيراني.
دون استباق للأحداث نحن أمام واقع دولي لا يهتم كثيرا بالوثائق أو المستندات عن حجم الجرائم والإبادات والانتهاكات، فالمجتمع الدولي ينتظر التوافقات أو القرارات الأممية التي قد تأتي أو لا تأتي في ظل عدم الاهتمام بالموت أو الجوع أو النزوح أو اللجوء الجماعي لملايين البشر.
ما يثير الفضول في وثائق أبوت آباد لوكالة الاستخبارات الأميركية هو رغبة العـراقيين والعـرب في إطـلاق سـراح الوثـائق المتعلقة بما يسمى المعارضة العراقية ولقاءاتها مع القادة الأميركان وخفايا اجتماعاتهم في السي آي أيه، وهل كان لإيران دور من خـلال أحزابها الحاكمة في العراق الآن في التنسيق بين إيران وأميركا لتقديم التسهيلات للاحتلال الأميركي للعراق، أو غض الطرف عن المساومات على العراق وشعبه وما دفعه من خسائر طيلة سنوات الاحتلال المزدوج بعد أبريل 2003.
هل سعت إيران من خلال عملائها لإقناع الأميركان بعلاقة العراق وقيادته بتنظيم القاعدة وهجمات 11 سبتمبر عام 2001 بما عجل من احتلال أفغانستان ومن بعدها العراق في حرب مفتوحة على الإرهاب اختلطت فيها الحقائق بالأكاذيب التي تسيدتها إيران وتمددت بها إلى العراق والمنطقة؟
الملفات أو الوثائق والمستندات أحيانا تفتح وأحيانا تغلق لتضيع معها حقوق الشعوب في كرامتها وحريتها، لكننا تعلمنا أن المجرم لا بد أن ينال جزاءه العادل وأن ملفات الاحتيال الإيرانية بعد أن تكدست لا بد أن تجد طريقها إلى الحساب رغم أن في جعبة نظامهم المنحرف الكثير.