أنا معجب ببعض الكتاب الذين يمتلكون القدرة على التنبؤ بالمستقبل وقراءة الفنجان ورؤية الطالع و(ضرب الودع) على طريقة الغجريات المصريات! هؤلاء الكتاب الذين يكتبون في نهاية بعض مقالاتهم التي تهاجم الحكومات المتعاقبة على حكم العراق من 2003 وحتى اليوم بسبب فسادها وفشلها، مؤكدين وواثقين وضامنين ومطمأنين ومتيقنين…. أن الشعب العراقي سوف يقوم بثورة شعبية وطنية يحاسب ويعاقب فيها كل من تسبب في الإضرار به وقاد العراق إلى الحال الذي وصل إليه بعد 13 عاما من سقوط النظام السابق في نيسان 2003 وحتى اليوم! ويصل إعجابي بهؤلاء الكتاب حد الجنون والخبل والهبل والهلوسة والعبط …. عندما يؤكدون أن الشعب العراقي سيُقدِّم قريبا ” …. وفي توقيت قادم لن يطول انتظاره” السياسيين الفاسدين والفاشلين إلى المحكمة لينالوا عقابهم العادل جزاءا لهم على ما اقترفوه وما ارتكبوه وما فعلوه بالعراق والعراقيين. ولكن هؤلاء الكتاب وهم يكتبون عن ثورة العراقيين القادمة بالتأكيد ينسون أو يتناسون، يجهلون أو يتجاهلون أن العراقيين لم يقوموا بأية ثورة لا شعبية ولا وطنية على أي نظام حاكم في العراق منذ تأسيس الدولة العراقية عام 1921/1922حتى السقوط في نيسان 2003.
في عهد النظام الملكي الذي حكم العراق حتى عام 1958 كانت الحركة الوطنية العراقية نشيطة وفاعلة، وكان العراقيون يخرجون بتظاهرات وطنية تتحدى أجهزة الأمن العراقية خاصة في الفترات التي قاد فيها هذه الأجهزة مدير الأمن العام (بهجت العطية) والفترات الي ترأس فيها (نوري السعيد) رئاسة الوزارة العراقية. هذه التظاهرات كانت تجري ضد سياسة النظام الملكي الخارجية المرتبطة بالاستعمار البريطاني وضد سياسته الداخلية التي صادرت الحريات الأساسية وقمعت المعارضة الوطنية ولم تسمح إلا لحرية نسبية للصحف المعارضة سرعان ما كانت تغلقها إذا ما (تمادت) في نقد النظام. …، وأفقرت العراقيين رغم اكتشاف النفط عام 1927 وبداية تصديره للخارج تجاريا من آبار (كركوك) عام 1934. …. ولكن العراقيون لم يستطيعوا أن يقوموا بثورة شعبية ضد النظام الملكي بل ما حدث هو الانقلاب العسكري الثوري في 14 تموز عام 1958. ولم يخرج العراقيون، على غير المتوقع، إلى الشوارع للاحتفال بنهاية الحكم الملكي الذي ناضلوا وكافحوا وتظاهروا ضده على امتداد قرابة الأربعين عاما، إلا بعد أن سمعوا من الإذاعة البيان الأول للثورة يطلب منهم الخروج إلى الشوارع ونصرة الثورة وتأييدها والاحتفال بها فخرجوا……!
وما بين 1958 وعام 2003 سنوات طويلة جرت فيها أحداث وتحولات سياسية عنيفة أضرت بالعراقيين كثيرا، اجتماعيا واقتصاديا ونفسيا، ولكن لم نر فيها العراقيين يعترضون على ما يجري ويتظاهرون في الشوارع كما كانوا يفعلون في خمسينيات القرن الماضي؛ في عهد النظام الملكي، رغم ما أصابهم من مآسي وكوارث وفقدان وخسران وتشريد وتهجير وسجون وتعذيب وإعدامات وتغييب واعتداء على الأعراض ….. خاصة في فترتي حكم النظام السابق: انقلاب شباط 1963وانقلاب 14 رمضان 1968. وسقط النظام السابق عام 2003 على يد الاحتلال الأمريكي وليس بثورة وطنية عراقية. وكان المتوقع أن يخرج العراقيون إلى الشوارع من تلقاء أنفسهم ليحتفلوا بالخلاص ولو على يد الأجنبي بعد سنوات العذاب والدم، إلا أنهم لم يخرجوا إلا بعد مرور يومين وبعد أن أطمأنوا أن النظام قد سقط فعلا وحقا، نتيجة الخوف والرعب الذي كانوا يعيشون تحت وطأته أكثر من ثلاثين عاما. خرجوا، ولكن كيف خرجوا؟ منهم من خرج ليسرق وينهب الأموال العامة والخاصة، العينية والنقدية، وهؤلاء هم أول من أسس لثقافة (الحواسم) التي ما زال العراق يعاني منها ….. والحديث يطول حولها! ومنهم من خرج ليبحث عن واحد أو أكثر من أهله الذين غيبهم النظام السابق، مستجيبا للإشاعات التي انتشرت عن السجون السرية التي أقامها النظام تحت جسور بغداد وفي غرف داخل أنفاق الشوارع …..، ومنهم من خرج محتفلا، فرحا مبتهجا، على شكل جماعات صغيرة، راكبة أو راجلة، تراهم هنا وهناك من مناطق بغداد، ثم يتفرقون ويذهب كل واحد إلى حال سبيله…..!
بعد كل هذا يكتب احدهم في نهاية مقالته، مؤكدا، متيقنا، واثقا، مطمأنا، وموحيا لنا أن نصبر قليلا …..” ….. بانتظار الكلمة والموقف الفصل من الشعب العراقي في توقيت قادم لن يطول انتظاره …..” يا ترى، هل هذا (التوقيت القادم) مرهون بإشارة من السيد كاتب المقال المحترم؟!أيها العراقي. كم من الأفعال تُنسَب إليك وأنت بريء منها؟!