د. حسين القاصد
وجد معروف الرصافي نفسه بعد رفاه ورفعة خارج اللعبة تماما ؛ ولقد بذل الرجل كل ما بوسعه للترحيب بالملك فيصل (شعرا ونثرا ؛ شاتما ” أولئك المشاغبين ” الذين أشاعوا معارضة عبد الرحمن النقيب ومجموعته قبل مجيء فيصل ملكاً على عرش العراق) لكن كل مساعيه خابت ، وليس له سوى الهجاء ، انتقاما لهيبته المراقة، ومناورة منه للضغط على السلطة، ومحاولة منه لتذكير الملك فيصل الذي (نسي هذه العواطف الرصافية الحارة ولم يعر صاحبها اهتماما، ولم يمنحه إلا منصبا تافها) ، وهو الأمر الذي دفعه لهجاء الملك كما يرى د.علي عباس علوان .
ولأن الرصافي لم يتناغم مع الفكر اليساري الذي يجعله وسط الجماهير مثلما فعل الجواهري، طغت على تقلبات موقفه الشعري صبغة الدافع الشخصي الضيق ، الذي لا يمكن إنكاره عند الجواهري لكن تعاطف الجماهير معه ونزوله للشارع الملتهب، قلل من اتهامه بالسعي لمصالحه الشخصية، على شدة وضوحها.
ولا شك في أن الظروف التي قست على الرصافي وما سببته له من أزمات نفسية واجتماعية ، صبت في مصلحة الموقف السياسي الوطني ـ لحدٍ ما ـ وأسهمت في رسم ملامح المشهد الشعري الجديد ، ووفقا لملامح وضعه الجديد ، الذي لم يحمل له سوى الخيبة ، يقول في وداعه لبغداد حيث هجرها الى سورية بعد ان لم ترق له الأوضاع فيها ، قال الرصافي:
تالله ماكان هذا قط من شيمي
ولا الحياة على النكراء من دينـي
ولست ابذل عرضي كي أعيش به
ولو تأدمّــــت زقـــــــــــوما بغسليــــــن
أغنت خشونة عيشي في ذرى شرفي
عما أرى بخسيس العيش من لين
عاهدت نفسي والأيام شاهدة
ألا أقرّ على جور السلاطيــــــــــــــن
وفي هجائه لوزراء المعارف يترك القارئ متسائلا، فلا هي بالوزارة السيادية التي بيدها القرار السياسي ، وليس من بين وزرائها من هو جاهل؛ ورب قائل: انه يهجو وزارة من صنع الاحتلال والذين جاؤوا معه ، وهذا مردود ، فقد كانت وزارات العهد العثماني عثمانية ولم يعترض الشاعر؛ والأمر لا يخلو من مصلحة شخصية ، فالرجل يعمل في التعليم ، وطموحاته، المردوعة بالرفض، لا حدود لها
ويح المعارف لايستوزرون لها
الا الذين لوزر الجهل قد وزروا
ويتصدى للسلطة ويقول في الملوك:
إن الملوك لكالاصنام ماثلة
الناس تنحتها والناس تعبدها
وينال نوري السعيد حظه من الرصافي ، فيكون الهجاء المقذع ، مع حنين من الشاعر للعهد العثماني ولوم على المهجو الذي كان حرا مع الترك وصار عبدا في الوضع الجديد ، كما يراه
الرصافي :
إن نوري السعيد قد كان قبلا
آدميا فرُدّ بالمسخ قردا
قد أبى أن يعيش حرّا مع التر
ك وأمسى للتيمسيين عبدا
مثل”ابليس” ما أطاق سجودا
وأطاق الهوان لعنا وطردا