آخر تحديث:
بقلم:هارون محمد
عندما يبلغ القائد الميداني للحشد الشعبي في العراق أبومهدي المهندس، مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة في بغداد يان كوبيش وجها لوجه “لا تصدق أن الحشد سيحل حتى لو سمعت ذلك من فم رئيس الحكومة حيدر العبادي”، فإن ذلك يعني ببساطة أن الحشد خارج أطر القانون وليس ضمن المنظومة العسكرية والأمنية الحكومية، وأن ما يقال بأن فصائل الحشد تخضع لإشراف القائد العام للقوات المسلحة، مجرد دعاية لم تعد تنطلي على المراقبين السياسيين والمتابعين للشأن العراقي.
وأخطر ما قاله المهندس للمبعوث الأممي في اللقاء المثير “لو تم حل الحشد بقرار حكومي فإن دعوته إلى التجمع من جديد لا تستغرق غير دقيقة واحدة”، وهذا تحد واضح من نائب رئيس هيئة الحشد (عنوان وظيفته الحكومية) لرئيس مجلس الوزراء والقائد العام للقوات المسلحة حيدر العبادي، الذي لا يترك مناسبة أو مؤتمرا صحافيا، إلا وأعلن أنه المسؤول والرئيس الأعلى للحشد، في حين أن التصريح الأخير للمهندس يمثل في جانب منه، استفزازا للإدارة الأميركية التي وصفته بـ”الإرهابي”، كما جاء على لسان المتحدثة باسم وزارة الخارجية هيذر نويرت، وبالتالي فإنها قد تطارده وربما تعتقله في العراق، الأمر الذي يضع العبادي في موقف ليس حرجا فحسب، وإنما خطير في ظل ظروف بات فيها الحشد قوة منفلتة غير خاضعة حتى لقانونه الذي يحظر عليه القتال خارج الحدود، كما هو حاصل اليوم، عندما كشف النقاب عن مشاركة أربعة فصائل في القتال بمنطقة البوكمال السورية المقابلة لقضاء القائم غربي الأنبار، من ضمنها كتائب حزب الله العراقي التي يقودها أبومهدي المهندس، إضافة إلى ميليشيات العصائب بقيادة قيس الخزعلي وسرايا الخراساني برئاسة أبي آلاء ولائي وكتائب النجباء بزعامة أكرم الكعبي الذي صرح علنا، أن الفصائل العراقية في الأراضي السورية لا علاقة للعبادي بها ولا تخضع له، وإنما تنسق هناك مع الجيش السوري وقوات حزب الله اللبناني.
وأبومهدي المهندس واسمه الحقيقي جمال جعفر إبراهيمي، المولود بالبصرة عام 1954، من أسرة إيرانية أصولها من مدينة كرمان وفدت إلى العراق في عشرينات القرن الماضي بعد تعرضها إلى اضطهاد سلطات شاه إيران الأسبق أحمد مرزا قاجاري، وإعدام عميدها سيد رضا إبراهيمي، وكان زعيم الفرقة (الشيخية) الشيعية في إيران، وهي فرقة لا تنسجم في مبادئها وأعرافها وطقوسها مع العقيدة الإمامية أو الإثني عشرية، وتكاد تكون أقرب إلى الزيدية وتحترم أهل السنة ولا تطعن في الخلفاء الراشدين وأمهات المؤمنين والقادة المسلمين.
وقد غادر جمال إبراهيمي (أبومهدي المهندس) هذه الفرقة المعروفة باعتدالها الديني وحظر احتراف العمل السياسي على أتباعها في عام 1972 واعتنق العقيدة الإثني عشرية عندما كان طالبا في إعدادية البصرة قبل أن يلتحق بالجامعة التكنولوجية في بغداد التي تخرج منها عام 1977 وعاد إلى البصرة ليعمل معاون مهندس في منشأة الحديد والصلب بالمدينة.
ومن ذكريات أبي مهدي المهندس عن سنوات دراسته الجامعية أنه كان لا يحبذ التعرف على زميله البغدادي، حيدر العبادي الذي يتقدم عليه بصف واحد، لانشغال الأخير بالرياضة ولعب كرة القدم، إضافة إلى انحداره من أسرة ارستقراطية، حسب رأيه، باعتبار أن والد حيدر المرحوم الدكتور جواد العبادي كان مديرا لمستشفى الجملة العصبية، قبل أن يصبح مفتشا عاما لوزارة الصحة في عهد وزيرها القطب البعثي الدكتور عزة مصطفى العاني رحمه الله.
وحتى عام 1980 لم يعرف عن جمال جعفر إبراهيمي (أبومهدي المهندس) نشاط سياسي، ولم تسجل عليه الأجهزة الأمنية في بغداد والبصرة، انتماء إلى الأحزاب الشيعية المعارضة، ولكن ظهر اسمه كعضو في لجنة حزب الدعوة المحلية بالبصرة، عندما تم اكتشاف خلية للحزب في منتصف ذلك العام واعترف أعضاؤها عليه، مما اضطره إلى السفر للكويت بجواز سفر مزور يحمل اسم جمال عبدالنبي علي كما قال هو بنفسه في مقابلة صحافية أجريت معه عقب انتخابات عام 2006 عندما نجح نائبا عن الحلة على قائمة الائتلاف الشيعي، وفي المقابلة يستعرض بطولاته وتضحياته المزعومة أيام النضال السري كما يصفها.
ولعلها من جملة الغرائب في العملية السياسية الحالية، أن جمال جعفر إبراهيمي (أبومهدي المهندس) لم يؤد اليمين القانونية كعضو في مجلس النواب، لأن صيغة اليمين تلزمه بقضايا لا يؤمن بها مثل خدمة العراق والعمل على وحدة شعبه وأراضيه إلخ، ولم يشارك في جلسات البرلمان لأربع سنوات كاملة ومع ذلك ظل يتقاضى راتب ومخصصات ومكافآت النائب.
ويعترف في المقابلة ذاتها بأنه أعاد ارتباطه بحزب الدعوة في الكويت التي اشتغل فيها مصلحا للسيارات بمنطقة الشويخ الصناعية وتعرف على مهدي أصفي الذي أصبح لاحقا زعيما للحزب، إلى أن ورد اسمه في محاولة اغتيال أمير الكويت الشيخ جابر الأحمد في 25 مايو 1985 واكتشاف دوره في مهاجمة السفارتين الأميركية والفرنسية في 12 ديسمبر 1983، حيث هرب إلى إيران وهناك عمل قائدا لفيلق بدر الذراع العسكرية للمجلس الأعلى والتنظيمات الشيعية المعارضة للنظام السابق، قبل أن يعود إلى العراق عقب الاحتلال.
حيدر العبادي أمامه أزمة سياسية لا شك في حدتها وتعقيداتها ونتائجها، فهو إزاء حالة شائكة مطلوب منه أميركيا وأوروبيا وعربيا، التعامل مع أبي مهدي المهندس كإرهابي، في حين أن الأخير يشغل مركزا مهما في حكومته، وهذه مسألة ليس من السهل على العبادي التعاطي معها بصورة اعتيادية كما يتصور الأميركان، خصوصا وأن المهندس ملتزم إيرانيا، وتدعمه جميع ميليشيات الحشد وتحتضنه عدة أحزاب وكتل سياسية ونيابية، والله يستر العراق.