نعم، صارت المسخرة مكتملة الأركان، وغدا العبث قانوناً راسخاً، وبات الوطن وقضيته والشعب ومحنته المتفاقمة ممسحة للرقيع والوضيع من أهل السيادة والحكم.على قدم وساق يُجري شيطنة مفوضية الانتخابات وأبلستها بعدما افتضِح أمر التزوير الذي قام به الآن، كما في العمليات الانتخابية السابقة كلها، مَنْ اختاروا أعضاء مجلس المفوضية ونصبّوهم في مواقعهم… ما كان لأجهزة العدّ والفرز الإلكترونية أن تتلاعب بالنتائج من تلقاء نفسها من دون أيدٍ بشرية تُبرمج هذا التلاعب.. هذه الأيدي يقف وراءها المتنفّذون في العملية السياسية الذين صاغوا المفوضية بهذا الشكل وهذه الهيئة منذ أن صار أمر تشكيل المفوضية عملاً محتكراً للقوى المتنفّذة في مجلس النواب ثم في سائر أجهزة الدولة على وفق نظام المحاصصة، وهي في معظمها من قوى الإسلام السياسي التي ما فتئت تستخدم الدين مطيّة لها للاستحواذ على السلطة والنفوذ وسرقة المال العام والخاص.الأجهزة الإلكترونية المُتّهمة بتخريب العملية الانتخابية استوردها مجلس المفوضية السابق الذي رفض المتنفّذون في مجلس النواب مساءلتهم ومحاسبتهم أمام مجلس النواب وإقالتهم عن خروق عدّة ارتكبوها لصالح القوى التي عيّنتهم في مناصبهم. هؤلاء المتنفذون هم الذين رفضوا بعناد دائماً تشكيل مجلس مفوّضين جديد لا يمتّ بصلة لنظام المحاصصة، وهم الذين رفضوا بعناد أن يكون للقضاء دور في العملية الانتخابية، مثلما رفضوا بعناد قبل ذلك تعديل قانون الانتخابات بما يضمن نزاهة الانتخابات، لكنّهم ما إن أظهرت نتائج الانتخابات الأخيرة أنهم منبوذون اجتماعياً وسياسياً حتى تشبّثوا بالأظافر والأنياب بفكرة تعديل القانون جزئياً ليُلغوا النتائج التي لم تعجبهم ولم تكن في صالحهم، ويعملون الآن على إلغاء النتائج جملة وتفصيلاً وإجراء الانتخابات من جديد.
المشكلة الحقيقية ليست في الأجهزة الإلكترونية، والمشكلة الحقيقية ليست في أعضاء مجلس المفوضية.. المشكلة في الرؤوس المتمسكة بنظام المحاصصة، المصرّة على البقاء في السلطة حتى لو احترق البلد على النحو الذي حصل منذ أربع سنوات وعلى النحو الذي يمكن أن يحصل الآن بعد إحراق مخازن مفوضية الانتخابات في الرصافة.لا إعادة العدّ والفرز بالأيدي ستكون حلّاً ولا إعادة الانتخابات ستكون حلّاً.. الحلّ يتطلب أولاً وقبل كل شيء إعادة النظر في الدستوروتعديله، وهواستحقاق دستوري مُستحقّ منذ عشر سنوات، ثم تشريع قوانين جديدة في ضوء هذا الدستور المُعدّل، قانون للانتخابات وقانون اللاحزاب وقانون للمفوضية، تحظر جميعها نظام المحاصصة وتثبّت الفصل بين السلطات وتكرّس استقلالية الهيئات المستقلّة.أيّ كلام آخر إنما محض هراء، وأيّ فعل آخر إنّما يُبقي على النار مستعرة والحرائق مندلعة في طول الوطن وعرضه، وهذا ما يريده الفاسدون المتربّعون على عرش هذي البلاد.