مصطفى الكاظمي . . المهمة المستحيلة

مصطفى الكاظمي . . المهمة المستحيلة
آخر تحديث:

بقلم:ادهم ابراهيم

عندما حاصر السلطان محمد الفاتح القسطنطينية، وبينما كانت نهاية الإمبراطورية البيزنطية على المحك ، كان مجلس المدينة مشغولًا بمناقشة جنس الملائكة (هل هم ذكور أم اناث) وغيرها من المسائل السفسطائية ، وبينما كان الجدل محتدمًا ، كان القتال يدور في شوارع بيزنطة بعد أن تمكن جنود السلطان من اقتحام أسوارها، وأخيرًا استطاع العثمانيون السيطرة على المدينة .

وهكذا نجد قادة الاحزاب والكتل السياسية الحاكمة في العراق مازالوا يناقشون مواضيع مستهلكة مثل المحاصصة والكتلة الأكبر . . والعراق على حافة الهاوية تحت وطأة انهيار اسعار النفط ، وميزانية الدولة المفلسة ، وتهديد وباء كورونا الفتاك ، إضافة إلى الشارع المنتفض لاسترداد الحقوق المشروعة من الأحزاب المستبدة . وفوق هذا وذاك نواجه تهديدات داعش مرة أخرى نتيجة استبعاد التحالف الدولي في مؤامرة قد تذهب بالعراق إلى المجهول .

ولا احد من هذه الأحزاب أو الكتل الحاكمة والميليشيات الموالية لإيران يراعي الخطر المحدق بالعراق أرضا وشعبا ، والكل يبحث عن مصالحه الضيقة ، متجاهلين المصلحة الوطنية العليا ، ومصالح الشعب العراقي المغلوب على امره . .

اما التباكي على صلاحيات رئيس الجمهورية واحكام الدستور فما هي الا دموع التماسيح التي انكشفت منذ امد بعيد ، عندما اصبح الدستور لعبة بايديهم .

لقد أجبرت انتفاضة تشرين الباسلة حكومة عادل عبد المهدي، على تقديم استقالتها مطلع كانون الأول 2019، فتم ترشيح السيد مصطفى الكاظمي الى منصب رئيس الوزراء ، الا انه رفض بشكل قاطع من قبل نفس الكتل التي رشحته الان ، فتم ترشيح محمد توفيق علاوي بدلا عنه ، ولما اعتذر عن مواصلة مهمته ، اضطر رئيس الجمهورية الى ترشيح عدنان الزرفي بعد استمزاج رأي المحكمة الاتحادية ، فلاقى تهديدات من فصائل عديدة ، إضافة إلى تهديدات السيد الزرفي نفسه حتى قدم اعتذاره هو الآخر وعلى خطى سلفه محمد توفيق علاوي .

ان تكليف السيد مصطفى الكاظمي هو الثالث بعد محمد توفيق علاوي وعدنان الزرفي خلال خمسة أشهر منذ استقالة عادل عبد المهدي ، وهذا يدل على مدى التخبط التي تعاني منه السلطة الحاكمة التي تلقت صفعات موجعة من قبل الانتفاضة التشرينية الواعية لمخططاتهم الخبيثة . ولا نعلم إلى أي مدى ستكون حظوظ السيد الكاظمي أفضل من سابقيه في لعبة الترشيح والتهديد هذه التي سارت عليها الاحزاب الحاكمة التي تدعي الديموقراطية . ويبدو انها مازالت تطمح في الإبقاء على عادل عبد المهدي الاكثر قربا لإيران من سواه . خصوصا بعد زيارة قاآني للعراق واجتماعه بهم .

ولذلك فمن غير المستبعد أن تكون هذه الترشيحات مجرد كسب وقت وتسقيط المرشحين لابعادهم نهائيا عن المشهد السياسي، وبالتالي الابقاء على كرسي السلطة شاغرا مع وجود السيد عبد المهدي المستقيل الباقي على سدة الحكم بتوليفة غريبة عن كل الأعراف والتقاليد السياسية .

واضافة لكل هذا وذاك فان ترشيح السيد الكاظمي قد جاء لكسر قرار رئيس الجمهورية في ترشيح السيد عدنان الزرفي خارج ارادتهم، وهم بذلك يحاولون التاكيد على سلطتهم المطلقة دون سواهم بالترشيح .

كما ان التوافق المفاجئ الذي جرى بينهم على السيد الكاظمي (رغم رفضه سابقا )كان أقرب الى المناورة لكسب الوقت .

إن العملية السياسية التي تتحكم بها الميليشيات الموالية لايران والتي تمثل الدولة العميقة في العراق ، مازالت ماسكة بالسلطة ، رغم التعقيدات السياسية المتمثلة بالعلاقة المضطربة مع الولايات المتحدة ، والوجود الايراني وتدخلاته المخلة بالسيادة العراقية . اضافة الى المشاكل الداخلية ، من مخاطر جائحة كورونا ، وانخفاض أسعار النفط ، والتململ الشعبي الآخذ بالازدياد .

أن حظوظ السيد مصطفى الكاظمي سوف لن تكون افضل من سابقيه ، وستوضع العصي في عجلة كسب الثقة عليه،خصوصا بعد أن مارست الكتل السياسية ضغوطها من خلال إصرارها على ترشيح الوزراء من قبلها ، حيث صرح احد قادة الكتل الحاكمة أنه لن يتخلى عن حقه في تعيين الوزراء في حكومة الكاظمي أو في اي حكومة مستقبلاً .

وحتى لو افترضنا أنه سينال الثقة في تبوء منصب رئيس الوزراء ، فهل هو قادر فعلا على العمل بشفافية ، أو تنفيذ وعوده الكثيرة في تحقيق السيادة وحصر السلاح بيد الدولة ومنع التدخلات الخارجية ، في مثل هذه الظروف العصيبة التي يمر بها العراق ، وأمامه مشوار طويل لاتفاقية إطار استراتيجي مع الولايات المتحدة الأمريكية ، تحت طائلة فرض العقوبات عليه .

إن هذه السلطة الحاكمة مازالت تعمل خلف الكواليس ، وتلعب على مقدرات الشعب بشعارات مظللة لم تعد تنطلي على غالبية أبناء الشعب الواعي .

ان قتامة المشهد السياسي وارتباكه ، والوضع المأساوي الذي يعيشه الشعب وخصوصا الفقراء منهم في ظل جائحة كرونا ، وسلطة لاتأبه لمصالح المواطنين ، فان ثورة المحرومين قادمة لامحالة ، لتكمل مابدأته انتفاضة تشرين الشبابية ، وبجموع شعبية عارمة ، ستؤدي الى اسقاط النظام . هذا النظام المطوق بازمات داخلية وخارجية لاحصر لها . وليس بيد السلطة اية اوراق جديدة للخروج من هذا المازق الذي اوقعت نفسها به نتيجة اطماعها ، واستهانتها بحياة وحقوق المواطنين .

التعليقات

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *