حمزة مصطفى
طوال السنوات الاحدى عشرة الماضية من عمر العملية السياسية في العراق لاتكاد تخلو “تعلولة” عند العراقيين الا وعيونهم مشدودة الى التلفاز كل ليلة من اجل مشاهدة مسؤول سابق او لاحق وهو يكشف ملفا بـ “بالباكيت” عن مصيبة من مصائب العراق السبع , المحاصصة, المحسوبية, المنسوبية, الفساد, الخلافات, الأجندات, الصفقات. المسؤول في العادة يظهر مرتديا ” كل هدومه” من قاط ورباط ويلك ومنديل في الجيب الايسر فارشا “كومة” ملفات. كان آخر هذه الملفات هي ما يتعلق بحمايات كبار المسؤولين والتي عرضها القاضي وائل عبد اللطيف مؤخرا. وكانت قبله السيدة عالية نصيف عرضت وثائق لاتقل “مصائبية” عما عرضه القاضي عبد اللطيف وتتعلق بالعقارات التي يجري بيعها وتداولها بين كبار المسؤولين ايضا. وثائق عالية نصيف وقبلها بسنة او سنتين وثائق الشيخ صباح الساعدي الذي كوفئ باستبعاده من الانتخابات, ووثائق بهاء الاعرجي الذي كوفئ بتسنمه منصب نائب رئيس الوزراء, او وثائق جواد الشهيلي لاسيما الـثمانية وثلاثين مليون “دشداشة مشكوكة” التي تم استيرادها للمواطنين الكرام لم تحرك ساكن القضاء ولا متحرك البرلمان. والامر نفسه ينطبق على ارقام الدكتور احمد الجلبي في هدر المال العام والبالغة 760 مليار دولار فقط .
لنتوقف عند وثائق القاضي عبد اللطيف والتي عرضت في برنامج “استوديو التاسعة” من على قناة البغدادية فيما يخص حمايات المسؤولين المبالغ فيها عددا وعدة وانفاق. هذه الجيوش من الحمايات مكلفة بمهمة واحدة وهي حماية المسؤول من المواطن الكريم. هذا المواطن الذي قضى عمره بالاماني الضالة ومنها الوقوف الى جانب المسؤول الذي سرقه ودمره وهجّره ونزحّه من اجل التقاط صورة تذكارية معه. ويفضل ان تكون الصورة سيلفي هذه المرة طبقا لاخر التقنيات التلفونية.
القاضي عبد اللطيف يقول ان حمايات المسؤولين بدء بالرئاسات الثلاث تبدا بأربعة الاف و”كسر” ضابط و جندي وتنتهي بـ 377 جندي وضابط لنواب الرئاسات الثلاث ومن بعدهم تاتي حمايات الوزراء والنواب بالعشرات. الفاجعة لاتكمن في الاعداد فقط بل في الكلفة التي تتحملها ميزانية الدولة لرواتب ومخصصات هذه الحمايات والبالغة 6 مليارات دولار سنويا. السؤال الذي يطرح نفسه الان هو .. لماذا بدات تظهر مثل هذه الملفات في هذا الوقت بالذات؟ السبب هو الضائقة المالية التي حركت الضمائر وهزت الشوارب وبدات عملية البحث في الدفاتر القديمة. فهذه الضائقة حركت ملفات كان مسكوتا عنها او يجري الحديث عنها على استحياء. خلال فترة الفورة النفطية وحين كانت ميزانيتنا 140 مليار دولار سنويا لم تكن لدينا مشكلة كبيرة في ان ننفق 6 مليارات دولار على جيش الحمايات طالما ان مستورداتنا من القرطاسية والكلينكس وادوات الحلاقة يكلف الموازنة 20 مليار دولار سنويا. الان اصبح الاحتياط واجبا. فصار لزاما علينا البحث عن الدفاتر العتيقة من باب اعادة تعظيم الموارد حتى نجتاز الازمة بافدح الخسائر لا اقلها لان تفكيرنا دائما بالمعكوس. لاتذهبوا بعيدا فبعد ابام سوف يظهر عليكم سياسي اخر متابطأ ملفات أخرى .. لكن هذه المرة بفتح الهمزة لا ضمها.