فوضى ومشادّات كلاميّة، واستعراضات إعلاميّة وأحاديث ووعود غير مُنتجة.. هذا كانت حصيلة العراقيين من جلسة البرلمان يوم الاثنين الماضي، التي عُقدت على أمل التصويت للمرشحين الثمانية المتبقين من حكومة عادل عبد المهدي، وانتهت بفوضى غريبة دفعت المهدي والمرشحين لمغادرة البرلمان.المتابع للشأن السياسيّ العراقيّ يفكر دائماً بجدليّة كبيرة، وهي: منْ الذي يقود العراق؟ ومنْ يشكّل حكومته؟هل رئيسها هو المهدي؟ أم نصّار الربيعي، رئيس الهيئة السياسيّة للتيار الصدري؟ أم اللّواء قاسم سليماني، قائد الحرس الثوريّ الإيرانيّ؟
رغم تعقيدات المشهد العراقيّ، فإنّ هذا السؤال الكبير ما عاد بحاجة إلى دراسات أو تحليلات؛ لأنّ ألعاب السياسيين وصفقاتهم صارت على المكشوف، والكلّ يفضح الكلّ!وسنحاول هنا بيان أنّ تشكيل حكومة بغداد يتمّ خارج البرلمان والبلاد، وبالذات مع هذا البرلمان الهشّ الذي سيدخل البلاد في فوضى عارمة كتلك التي أعقبت الاحتلال الأمريكيّ للعراق!الإشكاليّة اليوم هي في اختلاف الأطراف الفاعلة، ومنهم الصدر وسليماني والمهدي وهادي العامري على حقيبتيّ الدفاع والداخليّة، وبالتحديد على ترشيح الفياض المدعوم إيرانيّاً لحقيبة الداخليّة، بينما يقف “الفيتو الصدري” عائقاً أمامه!
وبالعودة إلى سؤالنا: منْ يقود العراق؟أظن أنّ رئيس الحكومة هو الحلقة الأضعف في معادلة تشكيل الحكومة.والآن وجد المهدي نفسه، بعد انتهاء شهر العسل مع حلفائه، تحت نيران أقرب أنصاره، ومنهم الصدر، بعد أن أوهموه بأنّه حُرّ في اختيار الشخصيات الوزاريّة دون أيّ تدخل!
المهدي انتبه لهشّاشة موقفه، لذلك أبلغ رئيس البرلمان محمد الحلبوسي بعد تأجيل جلسة الاثنين الماضي: “لن أحضر الجلسة مرة أخرى.. لن أضع نفسي في موقف المتهم، أو أمنح الفرصة للفوضويين أن يمارسوا تلك الفوضى في وجهي مجدداً”!
أما التيار الصدري، فإنّ تدخله في تشكيل الحكومة ليس جديداً، رغم وعوده بعدم التدخّل في عمل المهدي. وسبق للنائب عن كتلة النصر، فيصل العيساوي، تأكيده لحالة “سلبيّة شهدتها جلسة البرلمان الأولى؛ حينما انصاع المهدي لأوامر نصّار الربيعي، رئيس هيئة الصدر السياسيّة، وذلك حينما كان التصويت مستمرّاً ورئيس الوزراء يعرض كابينته الوزاريّة، بعدها توقف المهدي، والنوّاب طلبوا منه الاستمرار، لكنّه رفض، وبعدها قال نصّار الربيعي (وهو ضيف في الجلسة وليس نائباً) احمل أوراقك واجلس هناك! بهذه اللحظة حمل المهدي أوراقه وجلس في المكان الذي طُلب منه”!
والكلام السابق كلّه للنائب العيساوي، فمنْ يمكنه أن يفسّر هذه السلطة التامّة التي يمتلكها الربيعي، وما هي سلطته على المهدي حتى ينصاع له بهذا الشكل الغريب والمخجل؟اليوم هنالك تسريبات إعلاميّة تؤكد أنّ أتْباع الصدر يستعدون للاعتصام في بغداد إذا ما أصرّ رئيس الوزراء على تحدّي إرادة الصدر وتمرير الفياض، وقد بدأوا فعليّاً في شراء نحو مئة ألف خيمة محمولة تحضيراً للاعتصام، وفي انتظار إشارة زعيمهم!
أما الحلقة الثالثة فهو قاسم سليماني، وهو من أبرز الفاعلين السياسيين في العراق، لكنّ الجديد في أمر انكشاف تدخل سليماني والاعتراف به أن يكون هذه المرّة باعتراف كتلة رئيس الوزراء السابق حيدر العبادي، الذين أكدوا بأنّ “سليماني زار بغداد للضغط من أجل تعيين الفياض وزيراً للداخليّة”!
وهذا تطوّر كبير ينذر بوصول اللعب بين الجميع إلى مراحل متقدّمة خرجت عن سيطرتهم جميعاً!ووفق ما جرى تسريبه، فإنّ سليماني قد أبلغ المهدي بأنّ “الفياض خط أحمر لا يمكن تجاوزه، أو الاستغناء عنه من أجل استقرار العراق نتيجة إلمامه بخيوط أمنيّة مهمة، وأنه إذا أراد تغيير وزراء كابينته المتبقية بالكامل فليفعل دون الاقتراب من الفياض”!
والسؤال المحيّر هنا: لماذا هذا الإصرار على الفياض، وما الذي قدّمه في مرحلة رئاسته للحشد الشعبيّ، قبل أن يُقيله العبادي في آب/ أغسطس الماضي، حتى يكون هذا الإصرار الغريب عليه؟ وهل لذلك علاقة بالعقوبات الأمريكيّة على إيران، وقدرته على ترتيب العديد من الملفّات الساندة لاقتصادها؟وبعبارة جامعة نقول: حصل الفياض على الداخليّة أم لم يحصل، فإنّ الحقيقة الكبرى الثابتة هي التدخل الأجنبيّ في تشكيل حكومة بغداد!