من أجل عراق ديمقراطي يزيح الطائفية السياسية ومحاصصاتها المذلة!
آخر تحديث:
بقلم:كاظم حبيب
لم يكن سقوط نوري المالكي في أعقاب تسليمه الموصل لعصابات داعش وتسببه بالمجازر والإبادة الجماعية التي وقعت بنينوى سقوطاً له وحده، بل كان سقوطاً مدوياً للنظام السياسي الطائفي ومحاصصاته الطائفية والأثنية المذلة للشعب، سقوطاً للأحزاب والقوى الدينية الإسلامية السياسية الطائفية، الشيعية منها والسنية الحاكمة، كما كان سقوطاً للنعرات القومية الشوفينية وتلك المصابة بضيق الأفق القومي. وكان هذا السقوط إعلاناً بوجود نظام سياسي بمثابة جثة هامدة متعفنة يراد دفنها قبل أن تتسبب بأمراض جديدة. ولكن المشكلة برزت في عدم وجود دفان لها وحامل قادر على النهوض بمهمات الوضع الجديد، مما أدى إلى استبدال الوجوه لا غير، وهو أمر أدركه الكثير من أبناء وبنات العراق بحسهم السياسي الفطري. وكان الحراك الجماهيري وتنوع القوى المشاركة فيه، ابتداءً من الحراك المدني ومروراً بالتحركات المهنية لكثير من التجمعات السكانية والتظاهرات والإضرابات المطالبة بالكهرباء أو غيرها من الخدمات الاجتماعية المغيبة حتى الآن، وانتهاءً بتحرك واسع وقوي ومؤثر لقوى التيار الصدري السياسي-الاجتماعي. بمعنى أخر إن الظرف الموضوعي كان مؤهلاً لا لتغيير الطاقم الحاكم حسب، بل والتخلص من النظام السياسي الطائفي وبناء نظام سياسي ديمقراطي علماني لصالح الشعب المستباح. والخلل في الواقع العراقي يبرز في عدم نضوج الظرف الذاتي، أي عدم نضوج قدرات القوى المناهضة للنظام السياسي الطائفي ومحاصصاته للنهوض بعملية التغيير السلمي والديمقراطي لمسيرة الدولة العراقية بسلطاتها الثلاث ومجمل الوضع العام بالعراق، مع ادراكنا للدور السيء الذي تلعبه إيران على نحو خاص وعبر تدخلها ووجودها الفعلي بالعراق في استمرار النظام الطائفي ومحاصصاته في الحكم ومناهضة أي تغيير منشود من اشعب العراقي حتى الآن.
هذا الواقع ما يزال إلى حدود غير قليلة مؤثراً في الوضع العام، رغم التحسن المتنامي في الظرف الموضوعي، وانكشاف أكبر لفضائح القوى الحاكمة ومن يقف خلفها، لصالح التغيير، وكذلك رغم تحسن الظرف الذاتي للقوى الساعية للتغيير، أي القادرة بشكل أفضل على تحمل المسؤولية. إذن أين المشكلة؟ المشكلة كما أرى في تبعثر جهود القوى المعارضة للنظام السياسي الطائفي والمحاصصة الطائفية، وفي عجزها حتى الآن عن إيجاد اللغة المشتركة وأساليب النضال المشتركة التي تنعكس في برنامج سياسي واقتصادي واجتماعي وثقافي مشترك لكل القوى الديمقراطية التي يعز عليها استمرار معاناة الشعب!
هذا الواقع هو الذي يحرك القوى الديمقراطية العراقية إل التفتيش عن إمكانيات للتعاون والتنسيق والتكامل في النضال لصالح التغيير. ومن هذا المنطلق أيضاً بدأ في الفترة بين عامي 2015/2016 التفكير لدى مجموعة من العراقيات والعراقيين بالخارج حول مدى إمكانية المساهمة في هذا الجهد والمبادرة إلى طرح مجموعة من الدراسات حول أوضاع العراق وبلورة المهمات التي تواجه حركة التغيير الديمقراطي الجذري. وفي حينها تم الاتفاق مع المكتب التنفيذي للتيار الديمقراطي ببغداد على العمل المشترك لإنجاز مثل هذه الدراسات وعقد ورشات عمل لمناقشتها، وتم توزيع المهمات على كتاب داخل العراق وآخرين خارج العراق. وفعلاً أنجزت اربع دراسات مهمة من ثلاث من الخارج وواحدة من الداخل. وتم عقد ندوة في مدينة هامبورغ قدمت فيها الدراسات الأربع للمناقشة. وبعد مناقشتها وإقرارها، أرسلت إلى المكتب التنفيذي للتيار الديمقراطي، كما نشرت عبر الإنترنيت على نطاق واسع. ألا إن ندوات لهذا الغرض لم تعقد بالداخل لمناقشتها.
وفي فترة قصيرة لاحقة تبلور الموقف لدى مجموعة من الإخوان بالخارج، فشكلت لجنة سميت بلجنة المبادرة من أجل حث القوى الديمقراطية العراقية والقوى القومية الديمقراطية والقوى اللبرالية والشخصيات الدينية المتفتحة والمدنية والعلمانية والمستقلة والضغط عليها لتسريع عملية الحوار والمناقشات المكثفة والضرورية حول الموقف من الانتخابات العامة ومستقبل العراق والموقف من النظام السياسي الطائفي المحاصصي، بأمل طرح مشروع أو أكثر لمناقشته من جانب القوى السياسية المناهضة للطائفية والمحاصصة وساعية إلى التغيير الفعلي في الوضع. وقد أطلقت هذه اللجنة المستقلة والديمقراطية اسم “لجنة المبادرة لتحريك ودعم التوجه صوب التعاون والتنسيق والتحالف بين القوى الديمقراطية العراقية”. وفي كانون الأول/ديسمبر 2016 أقر المؤتمر العاشر للحزب الشيوعي العراقي مبادرة مهمة هي دعوة القوى الديمقراطية العراقية إلى التعاون والتنسيق وتوحيد الصفوف لمواجهة الأوضاع المتردية بالعراق وتحقيق عملية التغيير. وقد تبنى التيار الديمقراطي العراق هذه المبادرة أيضاً ووضع في وقت لاحق ومتأخر نسبياً برنامج زمني لإنجاز المهمة.
في الشهر الثالث من عام 2017 توجهت لجنة المبادرة إلى نشر مبادرتها والدعوة إلى مناقشة أوضاع العراق ووضع برنامج عمل للنضال من أجل التغيير الجذري في الواقع العراقي الراهن. صدرت هذه الدعوة في بيان نشر على نطاق واسع، وتضمن عقد مؤتمر عام لكل القوى التي تلتقي في ما بينها على أهداف مشتركة لتضع الصيغة المشتركة لهذا البرنامج كمحصلة لتلك النقاشات المكثفة بين كل القوى الديمقراطية العراقية. وكنا نعتقد بان الوقت متأخر جداً ولا بد من تسريع وتيرة العمل والنقاش للوصول إلى الأهداف المرجوة. وجرى لقاء بين أعضاء من لجنة المبادرة مع المكتب التنفيذي للتيار الديمقراطي بأربيل، وكذلك مع السيدة ميسون الدملوجي عن الوفاق الوطني ومع آخرين بهدف تسريع الحوارات ومعرفة المواقف المختلفة.
أن متابعة النقاشات والحوارات الجارية بين أطراف ديمقراطية تشير إلى وجود توجه جاد للعمل المشترك ووضع برنامج مشترك، ولكن ما ينقص هذا الحراك يبرز في البطء الكبير في إنجاز الخطوات المطلوبة. وهذا يعني عملياً احتمال حصول تأخر في عقد المؤتمر المنشود. إنها المشكلة القديمة التي تعاني منها القوى الديمقراطية في حركتها للوصول إلى اتفاقات مشتركة.
لا أشك في وجود صعوبات وحساسيات ومشكلات غير قليلة تعترض سبيل العمل بهذا الاتجاه، ولكن لا يجوز لها أن تعيق الوصول إلى برنامج عمل مشترك والبدء بالتحضير إلى عقد مؤتمر عام يحضره من وافق على التعاون والتنسيق، إذ يمكن أن يلتحق من لم ينهِ حتى عقد المؤتمر موقفه من التحالف المنشود وتوحيد القوى في النضال لمواجهة الوضع المتأزم بالداخل.
لقد نشر المكتب التنفيذي المعايير والأهداف التي يراها ضرورية للنضال المشترك في رسالة موجهة إلى القوى الديمقراطية والمناهضة للطائفية السياسية والمحاصصة. وتسلمت لجنة المبادرة نسخة منها. والمقترح يتضمن معايير وأهداف مهمة وواقعية إلى حدود بعيدة. درست لجنة المبادرة هذه الوقة بعناية ووضعت أهم وأبرز تصوراتها المكثفة في صلب ورقة المكتب التنفيذي لقوى التيار الديمقراطي العراقي. وتم إرسالها إلى المكتب التنفيذي للتيار الديمقراطي والقوى الأخرى التي يهمها المشاركة في النقاشات والمؤتمر. وبعد مرور أكثر من شهرين على نشرنا ذلك قمنا يوم أمس بنشرها ثانية وتوجيهها إلى المكتب التنفيذي للتيار الديمقراطي وقيادات الأحزاب والقوى والشخصيات المقصودة في مبادرتنا. وقد نُشرت ورقة العمل المعدلة لورقة التيار الديمقراطي على نطاق واسع وفي مواقع كثيرة، بأمل مناقشتها ومن ثم التوجه لعقد المؤتمر العام في خريف هذا العام 2017، إذ لم يعد هناك وقت كثير قبل الانتخابات العامة القادمة والموقف منها والتحالفات التي يمكن بلورتها في هذا العام وليس في العام القادم.
إن المبادرة الفعلية لمثل هذا العمل تتحمله القوى السياسية الديمقراطية واللبرالية والمستقلة بداخل العراق، لأنه الموقع النضالي الأساسي لعملية التغيير، وما دور الخارج إلا المساعدة في التعبئة والترويج لصالح التغيير. والواقع العراقي يشير إلى إمكانيات ملموسة مهمة تؤكد توجه المزيد من الناس لصالح التغيير، وهذا الجديد في الأجواء العراقية هو الذي استفز القوى الحاكمة ودفعها للبدء بحملة من الافتراءات ضد قوى التيار الديمقراطي ويعكس نفاذ صبرها لخشيتها من خسارة الحكم الذي تتشبث به بلك السبل غير المروعة.
واحدة من الظواهر السلبية الراهنة بالعراق تبرز في موقف القوى الكردستانية من القوى الديمقراطية العراقية وموضوع التعاون والتنسيق معها لصالح التغيير. فالتحالف الكردستاني والقوى والأحزاب الكردية بكردستان العراق لم تساهم خلال الفترة المنصرمة، ولا تساهم الآن أيضاً، في النشاط السياسي الديمقراطي الضروري للتصدي للمحاصصة الطائفية التي وضعت العراق على كف عفريت. إنها قد اتخذت في البرلمان العراقي مواقف ضد تغيير مفوضية الانتخابات لصالح القوى الديمقراطية ونزاهة الانتخابات وساهمت مع القوى الطائفية على بقاء المحاصصات الطائفية والأثنية في مفوضية الانتخابات فعلياً، كما اتخذت نفس الموقف من قانون انتخابات مجالس المحافظات وأقرت طريقة سانت ليغو 1،9 السيء الصيت والفعل، والآن أقرت أيضاً ذات الطريقة ولكن بـ 1،7، وهي تعرف إن هذه الطريقة مضرة بالحركة الديمقراطية العراقية عموماً وبالحركة الديمقراطية الكردستانية خصوصاً، وهي بهذا تلحق ضرراً بها، شاءت ذلك أم وبمواقف القوى الديمقراطية التي تريد وتسعى إلى التغيير الذي ينفع الشعب الكردي، إضافة إلى إيجابيات التغيير لصالح كل القوميات في المجتمع العراقي. أتمنى على الأخوة والأصدقاء في الأحزاب الكردستانية دراسة المسالة واتخاذ الموقف المناسب لصالح عملية التغيير بالعراق والتي ستخدم القضية الكردية وحق الشعب الكردي في تقرير مصيره بنفسه.
وفي ضوء ما تقدم اتوجه بالنداء إلى كل القوى الديمقراطية والقومية واللبرالية والمتدينة العلمانية والشخصيات السياسية المستقلة، العربية والكردية ومن القوميات الأخرى، وإلى كل من تهمه قضية التحول الديمقراطي السلمي للعراق والخلاص من النظام السياسي الطائفي ومحاصصاته، إلى تعجيل مشاوراتها ومناقشاتها والاتفاق الأولي على صيغة المعايير والبرنامج العلمي وطرحه في مؤتمر لا يتجاوز بأي حال خريف هذا العام، لكي يمكن خوض غمار النضال السلمي والديمقراطي للتغيير المنشود عبر صناديق الانتخابات، الذي يزداد طموح العراقيات والعراقيين له للخلاص من الأوضاع التي خلقتها القوى التي حكمت العراق طيلة 14 عاماً، وخرائب العراق وشهداءه والفساد هو التعبير الصارخ عن منجزات هذه القوى الحاكمة التي زكمت عفونتها ونتانتها أنوف كل العراقيين.