بغداد/شبكة أخبار العراق- من اول اشتراطات أي إعلام بصنوفه الثلاثة ” مرئي, مسموع, مكتوب” ان تكون برامجه شاملة لكل شرائح المجتمع واهتماماتهم ولمختلف المستويات التي يمكن أن تتدرج من الأمية الى أعلى الشهادات العلمية والانسانية، وببرامج تغطي كل ما ينهض بالمجتمع ويعزز الانماء والارتقاء . ولو تفحصنا اليوم منافذ الاعلام المحلي والعربي لما وجدنا تطابقا متوافقا مع تلك الاشتراطات المهنية المطلوبة، وربما يتميز إعلامنا المحلي بقصب السبق في خرق تلك المحددات والاعتماد على براعة بعض الاشخاص العاملين في تلك المنافذ، وتمتعهم بالقدرة الغريبة على تدمير السياقات المهنية ليس على مستوى الاعلام فقط، بل على سمات السلوك الاخلاقي والآداب العامة التي لا يمكن أن تتباين لا بأدنى ولا بأرقى المجتمعات، فهي واحدة ولا يختلف عليها اثنان ابدا. اعلامنا المحلي اليوم هو اعلام “فيس بوك” ومواقع الكترونية يطلق عليها تواصل اجتماعي، وربما نكون موهومين بتلك العبارة تماما , إذ ما حللنا ما فعلته تلك المواقع بمعنى التواصل الاجتماعي الحقيقي، إذ بات الاهتمام بالنت والدردشة اكبر من الاهتمام بالمجتمع وهمومه وبالعائلة وعلاقتها الاسرية الفاعلة، وجعل أغلب أفراد الأسرة يعيش كل واحد منهم منشغلا بالنت في محموله وحاسبته ويقضي وقتا كاملا في التفرغ للاهتمام باناس لا يعرفهم ويمكن ان يكتسب منهم أبشع السلوكيات السلبية، وفي المقابل لا يتواصل ولا يعرف مستجدات حوادث عائلته الصغيرة أو الكبيرة . مجتمعنا يعيش اليوم في ظل إعلام مسيس يعتمد على ثقافة التسلية اكثر من اعتماده على الثقافة الرصينة الخلاقة والواعية، وهناك أفكار مخطط لها بعناية لسحبه الى الانجذاب الكامل الى ثقافة القشور وترك المكنون الحقيقي لفكرة الانماء الواعي لمنطلقات الفكر المتجدد. فضائيات لا هم لها إلا تقفي أخبار الفضائح ونشر آخر أخبار الفنانين والأزياء وعروض ملكات الجمال والمنتديات الشبابية الفاشلة واظهارها على انها الانعكاس الحقيقي لمفهوم التقدم والرقي والانفتاح الذهني، وإعلام ينفذ أجندات مدسوسة بألغام تنفجر في المجتمعات بأشكال مختلفة، تتمظهر ما بين أشكال الرفض لكل ما يركز التوازن المجتمعي بحجة الحريات المنقوصة، التي ينادى بإحلالها ضمن مبدأ رفض القانون المجتمعي والانضباط السلوكي والقوانين الوضعية المنظمة لعلاقة الفرد بمجتمعه وبالآخر ضمن مشتركات لا يمكن اقصاؤها لصالح شخص واحد أو مزاجه المتفرد. ضاع السلوك الثقافي للعقل العربي الذي أنتج في يوم ما كنوزا للمعرفة والتحليل والتأمل والفلسفة والانجاز الفقهي والتفسير التشريعي لمنظومة الحياة ومستجداتها، ولم يعمل الإعلام إلا على تكريس ذلك الغياب واظهاره بانه مظهر من مظاهر الحياة العصرية المنشغلة باللهاث وراء اغراءات لا تؤتي ثمارها المعرفية الحقة، وانشغل الإعلام بتسليط الضوء على نتاجات لا تستحق ان تحمل بصمة ثقافة متميزة ليعكس صورة هشة لثقافة مجتمع تتصارع فيه المخرجات والمدخلات باشتباكات لا تخدم المجتمع بقدر ما تعمل على الانتقاص منه، وتهشيم أساسياته التي بدونها لا يمكن الارتقاء بالإنسان الذي لا يتحقق بناء المجتمع من دون صلاح بناء الانسان فيه بتميز ووعي وفهم مدرك لمعنى الارتقاء الفاعل.
من اشتراطات ثقافة الإعلام
آخر تحديث: