من الذي ورط مسعود؟

من الذي ورط مسعود؟
آخر تحديث:

بقلم: إبراهيم الزبيدي 

يبدو أن مسعود البارزاني ملَّ وتعب، ولم يعد له إيمان ولا حاجة ولا ضرورة للعودة إلى حكومة بغداد لعقد المزيد من الاتفاقات التي لن يختلف مصيرها عن مصير الاتفاقات والتحالفات السابقة التي عقدها، هو نفسُه، سواء منها العلني والسري، مع أحزاب الدين السياسي الشيعي الإيراني، وآخرها اتفاقه السري مع نوري المالكي في أربيل 2010، حين تفضل عليه بدورة رئاسية ثانية كسرت ظهر الدولة العراقية لعشرات قادمة من السنين ثم قلب عليه المجنّ، وعض اليد التي أحسنت إليه.

وكانت أحزاب إيران العراقية وأحزاب الجبهة الكردستانية تحالفت وتقاسمت المعارضة العراقية السابقة، ليس من أول أيام الاحتلال الأميركي للعراق في العام 2003، بل من أيام الحرب العراقية الإيرانية التي قاتل فيها “المتحالفون” جميعهم، كتفا بكتف، ورصاصة برصاصة، مع الجيش الإيراني، وتعاونوا على قتل الضباط والجنود العراقيين الذين كانوا يدافعون عن وطن لا يريدون له أن يصبح مستعمرة فارسية من جديد، لا عن نظام صدام حسين، ولا عن أيّ شيء آخر.

بعبارة أخرى إن حزب الدعوة ومجلس الحكيم والحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني، بشكل خاص، كانت الأطراف الأربعة الأقوى المتفاهمة والمنسجمة والمتقاسمة والمحتكرة للعمل السياسي العراقي المعارض، خصوصا في أمور المال والقيادة والسلاح وعمليات التهريب وتفجير الأزمات في الشارع العراقي وبيع المعلومات العراقية الحساسة لإيران وأميركا وروسيا وتركيا وقطر والسعودية ولكلّ من يريدها.

 مع ذلك ظل المتحالفون منذ ثمانينات القرن العشرين يخادع بعضهم بعضا ويخون بعضهم بعضا ويسرق بعضهم بعضا ويشي بعضهم ببعض، هذا لدى إيران وذاك لدى أميركا وبريطانيا وفرنسا وإسرائيل، ولكنهم كانوا جميعا مأمورين بالمحافظة على شعرة معاوية، والتباوس والتمادح أمام عدسات الصحافيين.

واللاعب الكبير الحازم والحاسم في العراق “الإيراني” وفي إقليم كردستان، منذ أيام الحظر الجوي في أعقاب “انتفاضة آذار”، كما نسميها نحن، و”الانتفاضة الشعبانية” كما يسمّيها أنصار إيران، هما اثنان، قاسم سليماني والممسك بالملف العراقي في واشنطن، جوزيف بايدن نائب أوباما.

رأس مثقلة بأحلام الاستقلال

وكان بقاء مسعود البارزاني وجلال الطالباني داخل خيمة الحكومة المركزية “الدينية الإيرانية”، وفقا لتسمية مسعود، من أول أيام الغزو الأميركي وإلى ما قبل أسابيع، انصياعا لأمر من يرتدي ثوب النصيحة من جو بايدن، من جهة، ورضوخا اضطراريا لإرادة سفارة الولي الفقيه وسفارة أردوغان في بغداد.

وحين نغوص أكثر في أعماق الغاية التي أرادتها أميركا وإيران من وراء الحفاظ على الانسجام الظاهري بين عرب إيران وأميركا من جهة، وأكراد إيران وأميركا من جهة ثانية نجد أن الحاجة كانت أمّ الاختراع. فأميركا لا تريد للوضع الداخلي العراقي أن يتردى أكثر ويتشرذم ويتقسم فتفشل في تحقيق أهدافها البعيدة المقررة في العراق والمنطقة. وإيران تعرف ذلك ولكنها لا تريد مناطحة أميركا في هذه المرحلة على الأقل.

وهذا ما تَطلب، أميركيا، تبريد جبهة العراك السياسي والمالي والأمني والإعلامي بين أربيل وبغداد، في انتظار ما سيكون عليه الحال بعد إنهاء الوجود العسكري لداعش في العراق ووضوح مصير الوضع السوري. ولكنْ لإسرائيل، وخاصة للصقور من حكامها، خطط مغايرة وأهداف مختلفة لا تتطابق مع مصالح أميركا في المنطقة.

وليس مجهولا أنها تتمنى وتتشهى تفتيت العراق أولا، وتحقيق قيام دويلات أخرى في سوريا وتركيا وإيران. وهي لن تجد أسهل وأفضل من القادة الأكراد، حاليا، لتحقيق ذلك، جماعة العائلة البارزانية في العراق وقوات سوريا الديمقراطية المؤلفة في غالبها من وحدات حماية الشعب، وهي ذاتها قوات حزب العمال الكردستاني ومقاتلو حزب كومله الكردي الإيراني الذين يتخذون في كردستان العراق قواعد تدريب وتنظيم صفوف بعد أن عادوا للتمرد ضد طهران.

وبالرغم من أن إسرائيل تعلم أن تحقيق انفصال الإقليم عن الدولة العراقية وتأسيس دول كردية مستقلة أخرى لن يحدث بسهولة، وقد يستغرق سنوات من المناوشات والمشاكسات والعراك، فإن هذا هو المطلوب.

ويذكرنا مصدر مطلع من داخل المنطقة الخضراء بأن بايدن كان قد أوهم مسعود البارزاني، منذ سنوات، بمشروع تأسيس الإقليم السني برئاسة أسامة النجيفي وبدفعه إلى الانضمام لدولة كردستان في مرحلة لاحقة وأمره بالتريث والانتظار. وها هم عرب أربيل السنة يروّجون لفكرة الاشتراك في الاستفتاء، وينادون بضم المناطق السنية العربية العراقية إلى مملكة الأسرة البارزانية نكاية بحزب الدعوة والحشد الشعبي وإيران.

بالمقابل يقول المصدر إن إيران عملت على تبريد حروب نوري المالكي المزعجة مع خليفته حيدر العبادي المرضيِّ عنه أميركيا، والقادر الوحيد على تهدئة الحرب المستترة بينها وبين ترامب في العراق. فهو أولا وأخيرا يظل ابنها الذي لا تشك بولائه أبدا مهما اقترب من أميركا ومهما قيل عنه غيرَ ذلك.

وبهذا يصبح أيُّ دعم يحصل عليه من أميركا المحتاجة إليه في الوقت الراهن دعما يصبُّ في النهاية في خدمة الحكم الذي تريد إيران الحفاظ عليه في بغداد. وما يؤكد صحة معلومات المصدر المطلع في المنطقة الخضراء أن وزارة الخارجية الأميركية ترفض بشدة استفتاء كردستان وتجدد حرصها على مساندة حكومة المنطقة الخضراء المحاصرة بالكثير من العواصف والزلازل، ولا تريد أن تضيف إلى كل ذلك عاصفة إسرائيلية أخرى تهب عليها من شمال العراق.

وما عناد مسعود البارزاني ورفضه بشدة جميع النداءات والمطالب، وبالأخص أوامر إدارة ترامب، إلا نتيجة لوعود حصل عليها من قوة خفية قادرة على لجم الإدارة الأميركية، وعلى جعل نارها بردا وسلاما عليه.

 

التعليقات

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *