من منا لايملك عضوا في صدره له وظيفة ضخ الدم الى أنحاء جسمه كافة؟ هو في لغتنا يسمى قلبا، ومن المفردات المرادفة له؛ الجَنان، الروع، البال، الفؤاد، الصميم، المقتل، التامور، الجزانة، الخلد، الاصمع، وقد حبا الله هذا العضو بمزايا خاصة للحفاظ عليه من التأثيرات الخارجية. ولم يفت الانسان هذا الجانب من الخصوصية، فراح سليم النيات يولي هذا العضو اهتماما سليما طيبا، فكانت النتائج طيبة أيضا، ففاح ذاك القلب مودة ومحبة وخيرا وافرا. فيما راح سيئ النيات باقتناص الثغرات ونقاط الضعف في هذا العضو بغية إيقافه، فكان بفعله هذا “كأنما قتل الناس جميعا”. وقد قيل في القلب وسلامته:
واحرص على حفظ القلوب من الأذى
فرجوعها بعد التنافر يصعب
إن القلوب إذا تنافر ودها
مثل الزجاجة كسرها لايشعب
ففي القلب إذن، تكمن كثير من المفاهيم، ندرك نحن بني آدم بعضها، وبعضها علمها عند علام الغيوب.
٤٣٧٬٠٧٢ كم2 هي مساحة العراق، يشكو كل متر فيها من ظاهرة انتشرت كالنار في الهشيم، وتسببت في نكوص مؤشرات التقدم والتطور في مفاصل البلد كافة، بل هي تنخر جذع الدولة من الداخل، حتى يكاد الخارج منه يتداعى من شدة الوهن، ومن المؤكد سيكون تداعيه -لاسمح الله- على رؤوسنا جميعا، كما يقول المثل: “الحايط لو مال يميل على أهله”. تلك الظاهرة هي الفساد، بأنواعه وأشكاله وأماكن اشتغاله غير المحدودة، وفي حقيقة الأمر أن هذا الوباء متوارث من سياسات النظام السابق الهوجاء، ولسوء حظ العراقيين فإن أغلب الوارثين فتحوا أحضانهم لهذا الإرث، فتنامى وتناسل حتى بلغ شِغاف القلب ونياطه -وهاقد عدنا للقلب ثانية-.
وكما أن لكل داء دواءً.. ولكل جناية عقابا ومقابل كل جنحة حساب، فإن مهمة القائمين على أمر البلاد، والذين بيدهم دفة القيادة ومقود الحكم، تفعيل دور الدواء والعقاب والحساب، بما تقتضيه مصلحة البلد ومستقبله، وفق القوانين السماوية والوضعية التي تنص بكل صراحة ووضوح على الردع بقوة وحزم، وصرامة وحدة، وحيادية وشفافية، لمثل هذه الأفعال، وقد قضت كل الأحكام المدنية والعسكرية، في قوانين العراق الجديد و “العتيگ” على حد سواء، بمحاسبة الفاسدين والمفسدين، ووضعهم تحت طائلة القانون من دونما تمييز او تفضيل بين -زيد وعبيد- والأمثلة على -زيد- كثيرة وعلى -عبيد- أكثر.
ومن المؤلم ان العقاب والحساب بحق مرتكبي جرائم الفساد في عراقنا الجديد، تنأى كل النأي عن الـ (صماخات) والرؤوس الكبار في الدولة، إذ يبلغ المسؤول الكبير ماشاء له بلوغه من فساد إداري أو مالي، من دونما مخافة من عقاب، وإن كان هناك عقاب فهو الضرب “دون الحزام” أي بالمحافظة على القلب -وهاقد عدنا للقلب ثالثة-. بل الأدهى أن بعضهم يمارس هوايته في السرقات تحت أغطية كثيرة، منها غطاء الحصانة والمنصب والمحسوبية والمنسوبية، فتكون الحامي له والمشرع لأفعاله والمحلل للسحت الذي يأكله، وكأن القانون يتلو عليه؛ “الذين يأكلون في بطونهم عسلا”..!.
وبين هذا المفسد وذاك السارق يضيع المال العام والخاص، وتفرغ خزينة الوالي، ويتناوب على المواطن السارقون السابقون واللاحقون، فيتغدون به ويتعشون ويفطرون ويتسحرون، وليس له إلا صبر مابعده ظفر، وسط تماهل أصحاب الحل وتواطؤ أهل العقد، من اللجان الرقابية ومفتشي الوزارات والمؤسسات، ويبقى المواطن المسالم ماسكا قلبه -وها نحن نعود للقلب رابعة- مذكرا ماسكي زمام أمور البلد بمفردة مرادفة للقلب هي (الدلال) فيناشدهم من القلب الى القلب على مضض: