من انجازات العملية السياسية..كانت في العراق صناعة!

من انجازات العملية السياسية..كانت في العراق صناعة!
آخر تحديث:

 بغداد/شبكة اخبار العراق- في جميع بلدان العالم يتم الاهتمام بالصناعة وروافدها بشكل كبير جدا، لكونها رديفا اقتصاديا مهما لباقي القطاعات، والصناعة العراقية كانت ذات مكانة كبيرة ومهمة في دعم الاقتصاد الوطني والابتعاد عن الاستيراد إلا ما ندر، ولكن الظروف التي عصفت بالبلاد قبل العام 2003 وبعده أدت الى تدهورها بشكل كبير جدا، ولكنها اليوم تحاول استعادة مكانتها وحضورها الكبيرين، وفي هذا الصدد يقول الخبير الصناعي في الشركة العامة للصناعات الغذائية نصر الدين محمد: «إن الإنتاج لم يتوقف منذ العام 2003 وحتى الآن، لكن المشكلة الحقيقية تكمن في كمية الإنتاج، إذ إن الشركة العامة للصناعات الغذائية بعد العام 2003 استمرت بالإنتاج وذلك لتوفر المواد الأولية الموجودة بكثرة، إذ يتم التعامل مع مواد أولية من جميع أنحاء العالم من جنوب شرق آسيا، دول الخليج، أوروبا، تركيا وإيران، لكن المواد تتطلب عملة صعبة لشرائها لذلك حصل تراجع ملحوظ في الإنتاج، وبالرغم من أن بعض الصناعات تتوفر موادها الأولية محليا ومنها صناعة الدبس، إذ إن التمر متوفر بكثرة في العراق، فضلا عن بعض الصناعات الأخرى كالألبان، ولكن لا بد من الإقرار بأن صناعتنا بالكامل مستوردة، فعلى سبيل المثال الدهن الذي يدخل في صناعة الصابون يتم استيراده إما من ماليزيا أو سنغافورة أو إندونيسيا وكذلك المنظفات الكيمياوية مثل «كوستك واستي بي بي» وغيرها بعضها من أوروبا».ولا يخفي الخبير الصناعي ان النظام الاقتصادي للبلد قد تغير، إذ كان النظام المعمول به في السابق هو قطاع عام وفيه تقوم الدولة بالتخطيط ووضع الدراسات وتقوم القطاعات المختلفة بالتنفيذ، كما أن كل استيرادات البلاد تفتح لأجلها اعتمادات مصرفية ويتم الاستيراد من مناشئ رصينة، لذلك فإن المنتوجات كانت جيدة».مضيفا حسب رأيه «ما أضر بالاقتصاد فعلا هو قرار بول بريمر بعد العام 2003 بفتح الحدود أمام الاستيراد دون وضع ضوابط، لذلك أهملت الصناعة بعد التحول من نظام قطاعي الى اقتصاد سوق رأسمالي منافس، إذ إن الشركات تتنافس من حيث المنتوجات ومن حيث الأفضل سعرا، ومن لديه تسويق وحملات دعائية ومكائن وآلات متميزة».وتعليقا على هذا الكلام يقول الناطق الرسمي باسم وزارة التخطيط عبد الزهرة الهنداوي: «إن الجهاز المركزي للتقييس والسيطرة النوعية يسعى الى فحص المنتجات الوطنية وايضا المستوردة، ولكن وفقا للإمكانات المتواضعة التي يمتلكها الجهاز فإنه يقوم بعملية الفحص على قدر المستطاع خصوصا المستوردة، إذ إن كثيرا من المنتجات الكهربائية لا يمكن قياس جودتها بالشكل الصحيح لعدم توفر أجهزة دقيقة، اما بالنسبة لشركات القطاع الخاص فهناك شروط جودة موضوعة لا بد من التقيد بها، وبالنسبة للقطاع العام فإن الشركات المنتجة هي من تفحص منتجاتها وتتأكد من جودتها».

أستاذ الاقتصاد في كلية الإدارة والاقتصاد بجامعة بغداد الدكتور ثائر العاني يجد ان مجتمعنا لا يزال يتجاهل النظر الى المواصفات الخاصة بالمنتوجات الصناعية خصوصا المستوردة وانتهاء مدة الصلاحية، ربما لجهله أو عدم معرفته بما يحصل بالسوق العراقية التي بدأت بدخولها المنتجات المختلفة والرديئة في الجودة ومصادرها غير رصينة، ولكننا حقا نأمل أن تكون هناك حقوق الملكية الفكرية كأن تؤخذ مواصفات معينة، وان يأخذ الإعلام الاقتصادي دورا أكبر في إظهار الحالات الإيجابية والسلبية التي قد يقع فيها المستهلك، وهذا دور اتحاد الغرف الصناعية واتحاد رجال الأعمال يجب أن يأخذوا على عاتقهم متابعة البضائع التي لا تتمتع بالجودة ومحاسبة المسؤولين عن إدخالها الى الأسواق العراقية».

ويرى نصرالدين محمد «ان هناك دولا تعرضت بنيتها الاقتصادية الى الدمار ولكنها تمكنت من النهوض من جديد، على سبيل المثال أوروبا الشرقية بعد العام 1990 بعد انهيار الاتحاد السوفيتي تحولت من دول اشتراكية الى رأسمالية وصنعت مكانة لها، وايضا هناك دول مثل روسيا عانت من اقتصاد مريض تخللته الكثير من المشاكل إلا أن بوتين تمكن من النهوض بهذا القطاع المهم، وعادت البلاد قوة عظمى من جديد، ويذكر ان روسيا مرت بمرحلة انتقالية، إذ أرسلت خمسة آلاف مدير الى ألمانيا الغربية لدراسة إدارة الشركات في بيئة منافسة رأسمالية لأن دولة القطاع العام تعمل وفق الأوامر الرسمية وتطبقها وتنفذها باقي القطاعات، لذا فهي ليست خبيرة بالأجواء التنافسية الرأسمالية».وفي ما يخص القطاع الصناعي والصعوبات التي تعانيها البلاد يقول الخبير الاقتصادي باسم جميل انطوان: «إن الصناعة قبل العام 2003 كانت متدهورة بشكل كبير جدا، إذ كان الجهد مكرسا للتخصيص الحربي فقط، لكن ايضا كانت هناك صناعة في البلاد ليست بمستوى الطموح ولكنها كانت متنوعة».

ويبين الخبير الصناعي «ان الظروف التي تعمل وفقها الصناعة قد تغيرت، فمن المعروف ان الصناعة ليست مجرد مكائن وآلات بل هي بيئة كاملة، منها رؤوس أموال تشغيلية واستثمارية وقوانين وتشريعات، منها ما زال الى الآن قيد الدراسة أو لم ينفذ حقا، ومنها إقرار قانون التعرفة الكمركية وحماية المنتج المحلي وحماية المستهلك والإعفاءات الضريبية، لم تقر حتى الآن، فضلا عن وجود منافذ حدودية متعددة منها في إقليم كردستان والمناطق الجنوبية، لذلك لا بد من وجود سياسة اقتصادية مركزية تحافظ على الصناعة الوطنية وتقنن عملية الاستيراد».مشيرا الى أن «الاقتصاد العراقي لم يتخلص الى الآن من قوانين مجلس قيادة الثورة المنحل، التي هي غير صالحة لبيئة العمل اليوم ، فضلا عن ضرورة العمل بشكل جدي والاطلاع على أهم الأمور التي تساعد على نشوء اقتصاد متطور وسن تشريعات وقوانين سريعة وصحيحة وعاجلة تخدم العملية الصناعية».وتعزو عضو لجنة الاقتصاد والاستثمار النيابية في مجلس النواب نجيبة نجيب تأخر التشريعات والقوانين الى الروتين القاتل والإجراءات الطويلة، ولكن في ما يخص الاتفاقيات الاقتصادية مع دول الجوار والإقليمية ايضا فهي موجودة ومفعلة، قائلة: «إن اللجنة تهدف الى دعم المنتوج الوطني، وبالفعل عادت بعض الصناعات منها السكر والزيوت النباتية الى العمل ورفد الأسواق بها، فضلا عن الصناعات العسكرية التي تحظى هي الأخرى بالاهتمام من قبل اللجنة والجهات ذات العلاقة».

ويؤكد الخبير محمد حاجتنا لنظام مصرفي متطور، إذ إن أغلب المصارف الموجودة تقدم قروضا لشراء سيارات أو منازل، اما إقامة المشروع الصناعي فإن حجم رؤوس الأموال المصرفية قليلة جدا مقارنة بحجم المشاريع الصناعية، فضلا عن أن القروض مقيدة، في حين يجب أن تكون القروض طويلة وفوائدها أقل، ويجب أن تسهم الدولة بنظام مصرفي كأن يكون هناك صندوق خاص لدعم الصناعة أو مصرف مختص بالمشاريع الصناعية فقط، الآن أي صناعي يريد أن يحصل على قرض، يطلب منه رأس مال كبير أو أملاك ضامنة، وهذا الأمر من شأنه أن يعرقل عملية التقدم الصناعي، إذ تتسبب بتوقف المشاريع ولا تكمل منجزاتها، في كل دول العالم يتم منح القرض بضمانة المشروع نفسه، والمعروف ايضا ان الصناعة معتمدة على رؤوس الأموال الضخمة للأثرياء الذين أغلبهم قد تركوا البلاد واستثمروا في دول العالم المختلفة، لعدم توفر بيئة آمنة تماما كي يقوموا بالاستثمار، ولم تشرع الجهات المسؤولة حتى الآن القوانين التي توفر السيولة المالية للمصارف».

ويكشف الخبير الصناعي عن مشكلة أخرى تعرقل القطاع الصناعي في البلاد وهي ان المعامل والمصانع الحكومية الآن تتوفر فيها طاقة كهربائية للوجبة الصباحية فقط، في حين يجب أن تجهز بالكهرباء على مدار اليوم كي يتم إنجاز السلع والمنتجات دون عراقيل، عند عودة الصناعات بكامل طاقاتها الإنتاجية سيتوجب توفير طاقة كهربائية عالية جدا تبلغ اضعاف ما متوفر الآن الى (50 كيكا واط)، وهذا بحاجة الى استثمارات ومبالغ ضخمة، مشيرا الى انه يجب ان تكون هناك مدن صناعية في البلاد، اذ من المعروف ان كل صناعة تنتج عنها نواتج عرضية تستفيد منها صناعات أخرى، لذا فإن الصناعات في الوقت الحاضر ترفع من سعرها كي تحقق الربح، في حين لو كانت هناك صناعة تأخذ النواتج العرضية فإنها ستدر أرباحا على القطاع الصناعي، ففي صناعة السيارات في دول العالم الأخرى على سبيل المثال يوجد ما يقارب الألف مصنع تقوم بتصنيع موادها الأولية الناتجة من الصناعة نفسها، أما في العراق فلا توجد الآن المصانع المساندة لذا تكون المنتجات ذات أسعار عالية وغير قادرة على منافسة المنتوج الأجنبي».

التعليقات

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *