حال العراقيين لايسر عدو ولا صديق، يعيشون في ازمة دائمة ومشاكل لا اول لها ولا آخر ، ازمة تجر ورائها ازمة اتعس منها وألعن حتى تحول العراق الى بلد الازمات ، والازمة هي الصناعة الوحيدة التي يبرع فيها العراقي ويجيدها ، ومن يقترب منه يأخذ حصته كاملة من البؤس والتعاسة ، كثيرون اكتووا بناره وعانوا منه الامرين وابرزهم الكرد ، فمنذ ان الحقهم الاستعمار البريطاني بالعراق ، وهم يلاقون منه العنت والعذاب ، فمن الانفال والابادة الجماعية والقصف بالقنابل الكيمياوية الى التهجير والتعريب و..الحصار والتجويع الجماعي والتشيًع الطائفي للحكام الجدد الذين لم يمض وقت طويل على بسط سيطرتهم على الحكم حتى ادخلوا البلاد في حرب طائفية شعواء ذهب ضحيتها مئات الالاف ، ومازالت وتيرة الشحن الطائفي تتصاعد حتى ظهر تنظيم”داعش”الارهابي بابشع صوره في الموصل والمناطق السنية الاخرى ، وما كادت مدينة الموصل تتحرر وازمة داعش تخف حتى ظهرت ازمة الاستفتاءالكردي والتهيئة لحرب اخرى لاستعادة الاراضي المتنازع عليها ومن ضمنها كركوك من يد الاكراد وطردهم منها بالقوة العسكرية وبدعم مباشر من قوات ميليشيات الحشد الشعبي ..ولم تهنأ القوات الحكومية والميليشيات بالنصر كثيرا حيث استغلت قوات”داعش” غياب قوات البيشمركة الكردية من تلك المناطق وعاودت نشاطها من جديد وصعدت من عملياتها الارهابية اليومية.
ثمة حقيقة لابد من ذكرها وهي ان العراق بتركيبته السكانية المختلفة وطبيعته الفسيفسائية المتناقضة ، من الصعب بل من المستحيل بناء اتفاق جماعي موحد على ثوابت وطنية واحدة ، لان كل مكون او مجتمع من مجتمعاته الثلاث الرئيسة السنةوالشيعة والكرد لديهم نظرتهم الخاصة لتلك الثوابت ، فالوطنية عند الكرد هي غير الوطنية عند السنة والشيعة، ولائهم للوطن الذي ينتمون اليه وهو كردستان وليس للعراق بالتأكيد ، فهم بشكل عام لم يشعروا يوما بانهم عراقيون ينتمون الى الاسرة العراقية ويتبعون النظام السياسي في بغداد! ، وهذا الشعور التنافري الرافض للانصياع للامر الواقع جلب عليهم ويلات ومصائب لاحصر لها ودخلوا في صراعات طويلة ودامية مع الحكومات العراقية المتعاقبة.
وكذلك الامر بالنسبة للسنة والشيعة ، فالوطنية تتحقق عند السنة عندما تهيمن العروبة على الحكم وتقود البلاد ، فهم مع العراق العربي التابع للامة العربية الكبيرة من المحيط الى الخليج وليس مع العراق الطائفي الذي يوالي ايران ويوظف موارد البلاد الاقتصادية لنشر التشيع وتصدير الطائفية وتشكيل الميليشيات المسلحة كما تسعىالشيعة للوصول اليه .. واذا ظنت الولايات المتحدة الامريكية او ايران انها تستطيع ان تمنع العراق من التفكك والتقسيم على المدى البعيد على الاقل او ان تضغط على الاحزاب العراقية بتشكيل حكومة”توافق”وطنية تجمع المتناقضات الثلاث في بوتقة واحدة موحدة وتستمر بدون مشاكل وازمات عميقة ، فانها خاطئة ونظرتها الاستراتيجية للعراق ناقصة وفهمها لطبيعة المكونات العراقية المتنافرة غير ناضج !
وانعكست التجاذبات السياسية الكبيرة والاختلافات العميقة في الفهم والرؤية والمصالح وطريقة ادارة الحكم بين المكونات الثلاث الرئيسة واحزابها وزعمائها ، وكذلك بين الاحزاب والكتل داخل كل مكون واصرار كل طرف على تكريس برامجه السياسية وفرض مصالحه ، على تشكيل الحكومة الجديدة في الوقت الذي حددته الدستور وكل المباحثات والاجتماعات قد فشلت في تشكيل الكتلة الاكبر المكلف بتشكيل الحكومة رغم مرور اكثر من ثلاثة اشهر على اجراء الانتخابات التشريعية في البلاد.
وثمة عوائق ومشاكل اخرى تعترض تشكيل الحكومة الجديدة وحتى وان تشكلت فانها لاتستمر طويلا وتنتهي بها المطاف الى الفشل والسقوط ! ومن هذه العوائق ؛ ان كتلة “دولة القانون”التي يتزعمها رئيس وزراء السابق”نوري المالكي” ومعها كتل اخرى كبيرة ومتنفذة مثل كتلة “الفتح”التي يترأسها زعيم منظمة بدر وكتائب ميليشيا الحشد الشعبي”هادي العامري”لديها اجندة سياسية خطيرة لقيادة البلاد وهي تشكيل الحكومة على اساس”الاغلبية السياسية”وهي العودة الى المربع الدكتاتوري السابق بحسب بعض المحللين واعادة المركزية القوية”القبضة الحديدية”للبلاد ولكن بقيادة شيعية متطرفة!..واذا ما وافق الكرد والسنة بتمرير هذه السياسة الاقصائية او اجبروا على قبولها ،فان المزاجية الطائفية هي التي ستتحكم في البلاد ولن يبقى للدستور اي قيمة جوهرية في ارض الواقع ويعمل على تجميده وينسف مواده كما نسف “المالكي” المادة 119 التي تقضي باقامة الاقاليم في المحافظات وجابه المتظاهرين في المناطق السنية الذين طالبوا بتطبيق هذه المادة الدستورية المهمة بالرصاص عام 2012 ، باعتبارها دعوات انفصالية!