من يرجع بغداد الى شبابها؟

من يرجع بغداد الى شبابها؟
آخر تحديث:

محمد رضا عباس

بغداد شاخت وشحبت , ابنيتها تعاني الكبر والإهمال . شارع الرشيد الذي كان اهم معالم بغداد في سنوات الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي اصبح هزيلا , نحيلا , لا يسر الناظرين , بل يبعث الحزن والاسى في نفوس معارفه ومحبيه . ساحات بغداد المهمة أصبحت مراكز تجمع البسطات والجنابر والعاطلين عن العمل , بدلا من ان تكون أماكن للراحة والجمال . الأرصفة في المدن المهمة مثل الكاظمية والاعظمية والحرية والشعلة والثورة والسيدية والتاجي أصبحت ليست طريقا للمارة وانما أماكن للتبضع وأماكن توفر كل ما يحتاجه المواطن. الطرق الرابطة بين المدن تحتاج الى إعادة تغطيتها بالأسفلت , والا ستكون طرق موت للمسافرين , لان عدم إعادة تغطيتها بالأسفلت مرة في كل ثلاثة او أربعة سنوات يجعل من السهل انزلاق السيارات الصغيرة والكبيرة بعد كل مزنة مطر او في أيام الصيف الحارة. الطرق الفرعية تملاها الاوساخ والحفر وأصبح من الصعوبة للسيارات المرور عليها. من يدخل بغداد يصاب بالصدمة من اول لقاء بها ويشعر ان هذه البلدة العريقة ببنائها وتاريخها حزينة تشكو الإهمال.

لا يمكن تحميل اللوم كله على سكان بغداد , بدون تحميل جزء مهم منه على كاهل الدولة والسياسيين الذين يقودون البلاد . المواطن البغدادي يتحمل جزء من مشكلة انحدار بغداد , لان المواطن في بغداد يهتم بتنظيف بيته من الداخل , وكل شيء خارجه لا علاقة له به . المواطن لا يقبل بتراك الاوساخ في بيته ولكن لا يكترث كثيرا وهو يشاهد تراكم الاوساخ بجانب داره. المواطن في بغداد لا يقبل ان يعبث ابناءه في بيته , ولكن لا يكترث كثيرا ان يشاهد أولاده يرمون القناني الماء والصودا في وسط الطريق . والمواطن لا يكترث كثيرا وهو يترك مواد البناء بعد الانتهاء من اكمال بناءه امام داره ويعتبر رفعها من وظيفة امانة العاصمة. كثيرة وكثيرة الواجبات امام المواطن البغدادي من اجل المشاركة في تنظيف بغداد وارجاعها الى ماضيها التليد.

هناك حالات تشوه وجه بغداد يسببها المواطن البغدادي , ولكن هذا التشويه سببه الاقتصاد . بغداد الى حاجة ما لا يقل عن مليون وحدة سكنية , وهذه الحاجة أجبرت  المواطن في بغداد التجاوز على المناطق الزراعية واملاك الدولة و شطر داره الى اربع شقق حتى يستطيع الوالد من توفير سكن لأولاده او الاستفادة من ايجارها. بغداد سوف لن ترجع جميلة , شابة , تسر الناظرين بدون القضاء على شحة السكن , والطريقة المثلى للقضاء على شحة السكن في بغداد هي ليست توزيع الأراضي على المحتاجين للسكن وانما بناء العمارات السكنية حتى يبقى لبغداد بعض المناطق الخضراء تحميها من الغبار وحرارة الصيف. ان البدء في هذا المشروع (بناء الشقق السكنية وتوزيعها بأسعار رمزية للمحتاجين) سوف يقضي على مشكلة كبيرة أخرى تواجهها بغداد وهي انتشار الجنابر والبسطات. ان البدء ببناء العمارات السكنية وتوفير مراكز تجارية لها سوف يقضي أوتوماتيكيا على هذه الظاهرة , لان بناء عمارات سكنية سيوفر فرص عمل لكثير من أصحاب الجنابر ولبسطات ويصبح لا حاجة الى البسطات والجنابر مع توفر المراكز التجارية .

تكلفة بناء العمارات السكنية في بغداد وفي المحافظات الأخرى ليس بالكلفة الثقيلة على ميزانية الدولة , ومن الممكن الاقتراض من البنوك العالمية من اجل هذا الهدف النبيل ان لم تستطع الميزانية تحملها . ربما سيخرج علينا احد السياسيين ومن الذين لم يقرأ كتاب اقتصادي من قبل ينصب مواكب النياح والعزاء كذبا و زورا على تراكم الديوان على العراق , وان العراق اصبح  ملك للأجانب وان المواطن العراقي اصبح مطلوب مبلغ 20,000 دولار قبل ان تلده امه . لا تصدقوا ادعاءات هؤلاء السياسيين والسبب بسيط وهو ان عائلته لا تعيش في بغداد وانما في أكثر الظن في أربيل او عمان او الامارات او لندن او واشنطن او باريس. انا لست ضد من يحمل الجنسية المزدوجة , على الاطلاق , ولكن ضد من يسوق هذه الترا هات , وأهله ينعمون بكل أنواع النعم : بيوت فارهة و مدارس خاصة , وخدم وحشم . هؤلاء السياسيين يريدون من بغداد ان تبقى بائسة لا يوجد فيها حتى مرافق صحية يستعملها مرضى السكر والبروستات عند الحاجة , لانهم يتعالجون خارج العراق ولديهم الامكانية المالية و من العيش فوق المستوى المعاشي للمواطن العراقي . هؤلاء السياسيون يريدون ان تبقى بغداد خربة , مكتظة , مزدحمة , مشوه حتى يعطوا السبب لأنفسهم ولعوائلهم العيش الرغيد في وطن غير العراق وبقاء البغدادي مثقلا بهمومه وهو ينظر الى مدينته تان تحت وطأة الشيخوخة والإهمال المتعمد .

التعليقات

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *